للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يخفى عليه الخفيّات .. وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن (بكسر الألف وتسكين الذال) عبارة عن العلم، وزعم أن الّذي هو العلم الأذن (بالتحريك)، واستشهد بقول الشاعر (١):

* إنّ همّى فى سماع وأذن*

وليس الأمر على ما توهّمه هذا المتوهّم، لأن الأذن هو المصدر، والإذن هو اسم الفعل (٢)؛ فيجرى مجرى الحذر فى أنه مصدر؛ والحذر (بالتسكين) الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الأذن (بالتحريك) لجاز التسكين، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.

ومنها: أن يكون الإذن العلم، ومعناه إعلام الله المكلّفين بفضل الإيمان وما يدعو إلى فعله، ويكون معنى الآية: وما كان لنفس أن تؤمن إلّا بإعلام الله لها بما يبعثها على الإيمان، وما يدعوها إلى فعله.

فأمّا ظنّ السائل دخول الإرادة فى محتمل اللفظ فباطل؛ لأنّ الإذن لا يحتمل الإرادة فى اللّغة، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهّمه، لأنه إذا قال: إنّ الإيمان لا يقع (٣) إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع، وليس فى صريح الكلام ولا دلالته (٤) شيء من ذلك.

وأما قوله تعالى: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فلم يعن بذلك الناقصى العقول، وإنما أراد الّذين لم يعقلوا ويعلموا (٥) ما وجب عليهم علمه من معرفة الله خالقهم، والاعتراف بنبوّة رسله والانقياد إلى طاعتهم، ووصفهم تعالى بأنّهم لا يعقلون تشبيها؛


(١) هو عدى بن زيد العبادى؛ وقد تقدم البيت بتمامه منسوبا إليه فى ص ٣٣.
(٢) فى حاشيتى الأصل، ف: «ومن هذا الباب الصرم؛ فإنه مصدر صرم، والصرم؛ بالضم اسم ذلك الفعل الّذي هو القطع؛ لا المصدر».
(٣) د، ف، حاشية ت (من نسخة): «لم يقع».
(٤) ف، حاشية ت (من نسخة):
«ولا فى دليله».
(٥) حاشية الأصل (من نسخة): «ولم يعلموا».