للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة: ١٨]، وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور، أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل.

فأما الحديث الّذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل إنه عليه وآله السلام (١) لم يرد بالبله ذوى الغفلة والنقص والجنون، وإنما أراد البله عن الشرّ والقبيح، وسمّاهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه، لا من حيث فقدوا العلم به. ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبلة ظاهر، فإنّ الأبله عن الشيء هو الّذي لا يعرض له ولا يقصد إليه، فإذا كان المتنزّه عن الشر معرضا عنه، هاجرا لفعله جاز أن يوصف بالبله للفائدة التى ذكرناها؛ ويشهد بصحة هذا التأويل قول الشاعر:

ولقد لهوت بطفلة ميّادة ... بلهاء تطلعنى على أسرارها (٢)

أراد أنها بلهاء عن الشر والريبة؛ وإن كانت فطنة لغيرهما؛ وقال أبو النّجم العجلىّ:

من كل عجزاء سقوط البرقع (٣) ... بلهاء لم تحفظ ولم تضيّع

أراد بالبلهاء ما ذكرناه. فأما قوله: «سقوط البرقع» فأراد أنها تبرز وجهها ولا تستره، ثقة [بحسنه وإدلالا بجماله] (٤)، وقوله: «لم تحفظ» أراد أن استقامة طرائقها تغنى عن حفظها، وأنها لعفافها (٥) ونزاهتها غير محتاجة إلى مسدّد وموقّف؛ وقوله: «لم تضيّع» أراد أنّها لم تهمل فى أغذيتها (٦) وتنعيمها وترفيهها فتشقى، ومثل قوله: «سقوط البرقع» قول الشاعر (٧):


(١) ت: «إن النبي صلى الله عليه وآله»، ف: «إنه صلى الله عليه وآله».
(٢) الأضداد ص ٢٠٢، واللسان (بله) - بلا عزو. والطفلة: الناعمة؛ وفى ت، د، ف:
«ميالة».
(٣) اللسان (بله).
(٤) حاشية ت (من نسخة): «بحسنها وإدلالا بجمالها».
(٥) ش: «لعفافتها»، وفى حواشى الأصل، ت، ف: «عف يعف عفا وعفة وعفافة».
(٦) فى حاشيتى الأصل، ف: «الأولى فى معنى لم تضيع أنها لا تخلو من خدم يختصون بها؛ ليكون هذا التضييع مطابقا لذلك الحفظ». وفى حاشية ت (من نسخة): «فى تغذيتها».
(٧) هو عمر بن أبى ربيعة، والبيت فى ديوانه ٣٣.