للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها أنّ أبا عبيد لم يحكم على هذا المصاب بولده بمسّ النار، وإنما حكم عليه بالورود، / والورود لا يوجب ألّا يكون من الأبرار؛ لأن «إلّا» معناه الاستثناء المنقطع، فكأنه قال: فتمسّه النار لكن تحلّة اليمين، أى لكن ورود النار لا بدّ منه، فجرى مجرى قول العرب: سار الناس إلا الأثقال، وارتحل العسكر إلّا أهل الخيام، وأنشد الفرّاء:

وسمحة المشى شملال قطعت بها ... أرضا يحار بها الهادون ديموما (١)

مهامها وحزونا لا أنيس بها ... إلّا الصّوائح والأصداء والبوما (٢)

وأنشد الفراء أيضا:

ليس عليك عطش ولا جوع ... إلّا الرقاد، والرّقاد ممنوع

فمعنى الحديث: لا يموت للمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار البتة، لكن تحلّة اليمين لا بدّ منها، وتحلّة اليمين الورود، والورود لا يقع فيه مسّ.

وقال أبو بكر: وقد سنح لى فيه قول آخر: وهو أن تكون «إلا» زائدة دخلت للتوكيد، و «تحلّة» اليمين منصوب على الوقت والزمان، ومعنى الخبر: فتمسه النار، وقت تحلّة القسم، و «إلا» زائدة.

قال الفرزدق شاهدا لهذا:

هم القوم إلّا حيث سلّوا سيوفهم ... وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم (٣)

معناه: هم القوم حيث سلّوا سيوفهم، و «إلا» مؤكدة.

وقال الأخطل:

يقطّعن إلّا من فروع يردنها ... بمدحة محمود نثاه ونائله (٤)

معناه يقطعون من فروع يردنها، والفروع: الواسعة من الأرض.


(١) سمحة المشى: سهلة المشى. والشملال: الناقة السريعة. والديموم والديمومة. الفلاة يدوم السير فيها لبعدها.
(٢) لا أنيس بها: لا أحد بها. والضوابح: جمع ضابح، والضباح صوت الثعالب. والأصداء:
جمع صدى، وهو الهامة.
(٣) ديوانه ٢: ٧٦٠.
(٤) ديوانه: ٦٣ ومن نسخة بحاشيتى الأصل، ف: «ويقطعن». وفى الديوان:
* إليكم من الأغوار حتى يزرنكم*.