للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا؛ [البقرة: ١٣٥] معناه: وقال بعضهم: كونوا هودا- وهم اليهود- وقال بعضهم: كونوا نصارى وهم النصارى- فدخلت أَوْ للتفصيل.

وكذلك قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ [الأعراف: ٤] معناه فجاء بعض أهلها بأسنا بياتا، وجاء بعض أهلها بأسنا فى وقت القيلولة.

وقد يحتمل قوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ هذا الوجه أيضا، ويكون المعنى أن بعضهم يشبه الّذي استوقد نارا، وبعضهم يشبه أصحاب الصيب.

وثالثها أن يكون أَوْ دخلت على سبيل الإبهام فيما يرجع إلى المخاطب، وإن كان الله تعالى عالما بذلك غير شاك فيه، لأنه تعالى لم يقصد فى إخبارهم عن ذلك إلا التفصيل؛ بل علم عز وجلّ أن خطابهم بالإجمال أبلغ فى

مصلحتهم، فأخبر تعالى أنّ قسوة قلوب هؤلاء الذين ذمّهم كالحجارة أو أشد قسوة، والمعنى أنها كانت كأحد هذين لا يخرج عنهما.

ويجرى ذلك مجرى قولهم: ما أطعمتك إلا حلوا أو حامضا، فيبهمون على المخاطب ما يعلمون أنه لا فائدة فى تفصيله؛ والمعنى: ما أطعمتك إلا أحد هذين الضّربين.

وكذلك يقول أحدهم: أكلت بسرة أو ثمرة؛ وهو قد علم ما أكل على التفصيل إلا أنه أبهمه على المخاطب، قال لبيد:

تمنّى ابنتاى أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (١)

أراد: هل أنا إلّا من أحد هذين الجنسين (٢)، فسبيلى أن أفنى كما فنيا؛ وإنما حسن ذلك لأن قصده الّذي أجرى إليه، وغرضه الّذي نحاه وهو أن يخبر بكونه ممن يموت ويفنى، ولا يخلّ به إجمال ما أجمل من كلامه، فأضرب عن التفصيل؛ لأنه لا فائدة فيه، ولأنه سواء


(١) ديوانه: ٢: ١.
(٢) ش «الحيين».