للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان من ربيعة أو مضر فموته واجب. وكذلك الآية، لأن الغرض فيها أن يخبر تعالى عن شدة قسوة/ قلوبهم، وأنها مما لا تنثنى لوعظ، ولا تصغى إلى حق، فسواء كانت فى القسوة كالحجارة أو أشد منها، فقد تم ما أجرى إليه من الغرض فى وصفها وذمّها، وصار تفصيل تشبيهها بالحجارة وبما هو أشد قسوة منها كتفصيل كونه من ربيعة أو مضر؛ فى أنه غير محتاج إليه، ولا يقتضيه الغرض فى الكلام.

ورابعها أن تكون أَوْ بمعنى «بل» كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١) [الصافات: ١٤٧] معناه: بل يزيدون.

وروى عن ابن عباس فى قوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ؛ قال: كانوا مائة ألف وبضعا وأربعين ألفا. وأنشد الفراء:

بدت مثل قرن الشمس فى رونق الضّحا ... وصورتها، أو أنت فى العين أملح (٢)

وقد تكون «أم» فى الاستفهام أيضا بمعنى «بل»، كقول القائل: أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنت؟ معناه: بل أنت رجل متعنت.

وقال الشاعر:

فو الله ما أدرى أسلمى تغوّلت، ... أم النّوم، أم كلّ إلى حبيب!

معناه: بل كلّ.

وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال: وكيف يجوز أن يخاطبنا تعالى بلفظة بل؛ وهى تقتضى الاستدراك والنقض للكلام الماضى والإضراب عنه، وليس ذلك بشيء.

أما الاستدراك فإن أريد به الاستفادة أو التذكر لما لم يكن معلوما فليس بصحيح، لأن


(١) فى حاشيتى الأصل، ف: «قال ابن جنى: الغرض فى قوله تعالى: أَوْ يَزِيدُونَ أنهم بحيث يحزرهم الحازر فيقول: هم مائة ألف أو يزيدون، فحكى على موجب الحزر».
(٢) ف، وحاشية الأصل (من نسخة): «وصورتها» بالضم. والمعنى: وصورة الشمس فى العين أملح؛ بل أنت».