للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالبدر إلّا أنّها لا تجتلى ... والشّمس إلّا أنها لا تغرب (١)

ثم قال: " وهذا فيه سؤال؛ لأنه لما قال:

* كالبدر إلا أنها لا تجتلى*

فالمعنى أن عيون الناس كلّهم ترى البدر وتجتليه، وهى لا تراها العيون ولا تجتلى".

ثم قال:

*" والشمس إلا أنها لا تغرب*

وإنما قال: «لا تجتلى» لأنها محجوبة؛ فإذا كانت فى حجاب فهى فى غروب؛ لأن الشمس إذا غربت فإنما تدخل تحت حجاب، فظاهر المعنى: كالبدر إلا أن العيون لا تراها، والشمس إلا أن العيون لا تفقدها". قال: " وهذا القول متناقض كما ترى" قال: " وأظنه أراد أنها وإن كانت فى حجاب فإنه لا يقال لها: غربت تغرب كما يقال للشمس؛ وإنما يقال لها إذا سافرت:

بعدت، واغتربت وغرّبت إذا توجهت نحو الغرب، وقد يقال للرجل اغرب عنا (٢)، أى ابعد، ولو استعار لها اسم الغروب عن الأرض التى تكون فيها إذا ظعنت عنها إلى أرض أخرى كان ذلك حسنا جدا، لا سيما وقد جعلها شمسا، كما قال ابراهيم بن العباس الصولىّ:

وزالت زوال الشّمس عن مستقرّها ... فمن مخبرى: فى أىّ أرض غروبها؟ (٣)

قال: " وقد يجوز أن يقول قائل: إنه أراد: لا تغرب تحت الأرض كما تغرب الشمس؛ وهذه معاذير/ ضيقة، لأبى عبادة فإن لم يكن قد أخطأ فقد أساء".

قال سيدنا أدام الله علوّه: وما المخطئ غير الآمدىّ، ومراد البحترىّ بقوله أوضح من أن يذهب على متأمّل، لأنه أراد بقوله:

* والشمس إلا أنها لا تغرب*

أى أنها لا تصير بحيث يتعذر رؤيتها ويمتنع، كما يتعذر رؤية الشمس على من غربت


(١) ديوانه ١: ٦٢.
(٢) حاشية الأصل (من نسخة): «عنى».
(٣) ديوانه: ١٤٠ (ضمن مجموعة الطرائف).