للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يزيد بن المهلب (١) ولى ثابت قطنة بعض قرى خراسان، فصعد المنبر فحصر فنزل وهو يقول:

فإلّا أكن فيكم خطيبا فإننى ... بسيفى إذا جدّ الوغى لخطيب

فقيل: لو قلت هذا على المنبر لكنت أخطب الناس؛ فبلغ ذلك حاجب (٢) الفيل فقال:

أبا العلاء لقد لاقيت معضلة ... يوم العروبة من كرب وتحنيق

أما القرآن فلا تهدى لمحكمه ... ولم تسدّد من الدّنيا بتوفيق

لمّا رمتك عيون النّاس هبتهم ... وكدت تشرق لمّا قمت بالريق

تلوى اللّسان إذا رمت الكلام به ... كما هوى زلق من حالق نيق (٣)

وروى أن بعض خلفاء بنى العباس- وأظنه الرشيد- صعد المنبر ليخطب، فسقطت ذبابة على وجهه فطردها، فعادت فحصر وأرتج عليه، فقال: أعوذ بالله السميع العليم: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: ٧٣]، ثم نزل، فاستحسن ذلك منه.

ومما يشاكل هذه الحكاية ما حكاه عمرو بن بحر الجاحظ قال: " كان (٤) لنا بالبصرة قاض يقال له عبد الله بن سوّار لم ير الناس حاكما قطّ [ولا زمّيتا] (٥)، ولا ركينا (٦)، ولا وقورا، ضبط من نفسه، وملك من حركته مثل الّذي ضبط وملك؛ وكان يصلى الغداة


(١) الخبر فى الأغانى ١٣: ٤٧ - ٤٨.
(٢) اسمه حاجب بن دينار المازنى؛ ذكره الجاحظ فى الحيوان ١: ١٩١، والبيتان ٢: ١٨٣.
(٣) د، ف، حاشية الأصل (من نسخة): «من جانبى نيق». ومن نسخة بحاشيتى الأصل، ف أيضا: «من جانب النيق»، والنيق: أعلى الجبل.
(٤) الحيوان ٣: ٣٤٣، ونقله الثعالبى فى ثمار القلوب ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٥) زيادة من م؛ وهى توافق ما فى الحيوان والزميت، كسكيت العظيم الوقار.
(٦) الركين: الرزين.