للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خطب على بعض منابر الشام وإن عمرو بن العاص لما بلغه كلامه قال: هنّ مخرجاتى من الشام؛ استحسانا لكلامه.

وروى محمد بن يزيد النحوىّ قال: بلغنى أن رجلا صعد المنبر أيام يزيد- وكان واليا على قوم- فقال لهم: «أيها الناس، إنى إلّا أكن فارسا طبّا بهذا القرآن فإن معى من أشعار العرب ما أرجو أن يكون خلفا منه، وما أساء القائل

أخو البراجم (١) حيث يقول:

وما عاجلات الطّير يدنين للفتى ... رشادا، ولا من ريثهنّ يخيب (٢)

وربّ أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهنّ وجيب (٣)

ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه ... على حادثات الدّهر حين تنوب (٤)

وفى الشّكّ تفريط، وفى الحزم قوّة ... ويخطى الفتى فى حدسه ويصيب (٥)

/ فقال له رجل من كلب: إنّ هذا المنبر لم ينصب للشعر، بل ليحمد الله عليه ويصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله وللقرآن، فقال: أما لو أنشدتكم شعر رجل من كلب لسرّكم، فكتب إلى يزيد بذلك فعزله، وقال: قد كنت أرى أنك جاهل، ولم أحسب أنّ الحمق بلغ بك هذا كلّه، فقال له: أحمق منّى من ولّانى.


(١) الأبيات فى الكامل ٣: ٢٠١ - بشرح المرصفى؛ ونسبها إلى ضابئ بن الحارث البرجمى؛ وقبلها:
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنى وقيار بها لغريب.
(٢) رواية الكامل:
وما عاجلات الطّير تدنين من الفتى ... نجاحا ولا عن ريبهنّ يخيب
قال المبرد فى شرح البيت: " يقول: إذا لم تعجل له طير سانحة فليس ذلك بمبعد خيرا عنه، ولا إذا أبطأت خاب؛ فعاجلها لا يأتيه بخير، وآجلها لا يدفعه عنه إنما له ما قدّر له؛ والعرب تزجر على السانح وتتبرك به، وتكره البارح وتتشاءم به؛ والسانح ما أراك ميامنه فأمكن الصائد، والبارح ما أراك مياسره فلم يمكن الصائد إلا أن ينحرف له".
(٣) المخشاة كالمخشية: مصدر خشية يخشاه، ووجيب القلب:
خفقانه واضطرابه.
(٤) حاشية الأصل (من نسخة): «حيث تنوب».
(٥) وبعده:
ولست بمستبق صديقا ولا أخا ... إذا لم تعدّ الشيء وهو يريب.