للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/ الشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكى عليك نجوم الليل والقمرا (١)

وقال يزيد بن مفرّغ الحميرىّ:

الرّيح تبكى شجوها ... والبرق يلمع (٢) فى الغمامة (٣)

وهذا صنيعهم فى وصف كل أمر جلّ خطبه، وعظم موقعه؛ فيصفون النهار بالظلام، وأن الكواكب طلعت نهارا

لفقد نور الشمس وضوئها؛ قال النابغة:

تبدو كواكبه والشّمس طالعة ... لا النّور نور ولا الإظلام إظلام (٤)

وقال طرفة:

إن تنوّله فقد تمنعه ... وتريه النجم يجرى بالظهر (٥)

ومن هذا قولهم: لأرينّك الكواكب بالنهار، ومعناه أورد عليك ما يظلم له فى عينك النهار، فتظنّه ليلا ذا كواكب.

فأما بيت جرير فقد قيل فى انتصاب النجوم والقمر (٦) وجوه ثلاثة: أحدهما أنه أراد أن الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر، لأن عظم الرزء قد سلبها ضوأها؛ فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب. والوجه الثانى أن يكون انتصاب ذلك كما ينتصب فى قولهم: لا أكلمك الأبد، والدهر، وطوال المسند (٧)، وما جرى مجرى ذلك، فكأنه أخبر


(١) ديوانه ٣٠٤.
(٢) حاشية ت (من نسخة): «يضحك».
(٣) البيت من قصيدة له مطلعها:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيام برامه
قال ابن قتيبة: «وهى أجود شعره»؛ وهى فى الأغانى ١٧: ٥٤ - ٥٥، والخزانة ٢: ٢١٣ - ٢١٤، ٥١٦، ٥٢٠).
(٤) ديوانه: ٧٢.
(٥) ديوانه: ٦٥. وفى حواشى الأصل، ت، ف: «يقول: إن تنوله هذه المرأة مرة نوالا فقد تمنعه أحيانا، وتريه النجم ظهرا؛ وهذا مثل للأمر الصعب».
(٦) فى حاشيتى الأصل، ف: «عظم الشيء: معظمه، وعظمه: كبره».
(٧) حاشية الأصل: «المسند: الزمان؛ يقال: لا أكلمه أبد المسند».