للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جمع؛ ألا ترى أنه ليس فى أبنية الجموع شيء على هذا البناء! ولكنه واحد يراد به الكثرة؛ ألا ترى أن فى الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع، كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها؛ [إبراهيم: ٣٤] وكذلك قوله: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ جاء على «فعل» لأنّ هذا البناء يراد به الكثرة والمبالغة؛ وذلك نحو «يقظ وندس»؛ فهذا كأنّ تقديره أنّه قد ذهب فى عبادة الشيطان والتذلّل له كلّ مذهب".

قال: " وجاء على هذا لأن «عبد» فى الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، واستعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة؛ ألا ترى أنّ «الأبرق والأبطح» (١) وإن كانا قد استعملا استعمال الأسماء حتى كسّرا هذا النحو عندهم من التكسير فى قولهم: «أبارق وأباطح»؛ فلم يزل عنه حكم الصفة، يدلّك على ذلك تركهم صرفه، كتركهم صرف «أحمر»، ولم يجعلوا ذلك كأفكل وأ يدع (٢)؛ وكذلك عَبَدَ وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء لم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة، وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على «فعل» "

وهذا كلام مفيد فى الاحتجاج لحمزة؛ فإذا صحت قراءة حمزة وعادلت قراءة الباقين المختارة، وصح أيضا سائر ما روى من القراءات التى حكاها السائل كان الوجه الأول الّذي ذكرناه فى الآية يزيل الشبهة فيها.

ويمكن فى الآية وجه آخر على جميع القراءات المختلفة فى عَبَدَ الطَّاغُوتَ؛ وهو أن يكون المراد بجعل منهم عبد الطاغوت؛ أى نسبه إليهم، وشهد عليه بكونه من جملتهم.

ول «جعل» مواضع قد تكون بمعنى الخلق والفعل؛ كقوله: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، [الأنعام: ١]؛ / وكقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً؛ [النحل: ٨١]؛ وهى هاهنا تتعدى إلى مفعول واحد؛ وقد تكون أيضا بمعنى التسمية والشهادة؛ كقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً؛ [الزخرف: ١٩]؛ وكقول القائل: جعلت البصرة


(١) الأبرق: أرض فيها حجارة سود وبيض، والأبطح: الأرض المنبطحة.
(٢) الأفكل: الرعدة، والأيدع: صبغ أحمر؛ وهو المسمى دم الأخوين.