بذلك معنى العدوى، وإنما يريدون تغيّر الرائحة؛ وأنها تسقم من أدمن اشتمامها". وهذا غلط لأن الأطباء إنما تنهى عن ذلك خوفا من العدوى، وسبب العدوى عندهم هو اشتمام الرائحة، وانفصال أجزاء من السقيم إلى الصحيح، وليس إذا كان غير هذا عدوى عند قوم ما يوجب ألّا يكون هذا أيضا من العدوى.
ولما حكى عن غيره تأويلا صحيحا فى قوله عليه السلام. «لا يوردنّ ذو عاهة على مصحّ» ادّعى أن العيان يدفع، وأىّ عيان معه! ونحن نجد كثيرا ممن يخالط الجربى فلا يجرب، ونجد إبلا صحاحا تخالط ذوات العاهات فلا يصيبها شيء من أدوائها؛ فكأنه إنما يدّعى أن العيان يدفع قول النبي صلى الله عليه وآله:«فما أعدى الأول»؟
والوجه عندنا فى قول النبي عليه السلام:«لا يوردنّ ذو عاهة على مصحّ» أنه عليه السلام إنما نهى عن ذلك؛ وإن لم يكن مؤثرا على الحقيقة؛ لأنّ فاعله كالمدخل الضرر على غيره؛ لأنّ من اعتقد أن ذلك يعدى ويؤثر فأورد على إبله؛ فلا بدّ من أن يلحقه لما تقدم من اعتقاده ضرر وغمّ، ولا بدّ من أن يذم من عامله بذلك؛ فكأنه عليه السلام نهى عن أذى الناس والتعرّض لذمهم.
وقد يجوز أيضا فيه ما حكاه ابن قتيبة عن غيره مما لم يرتضه من أنهم متى ظنوا ذلك اثموا فنهى عليه السلام عن التعرض لما يؤثم.
ولو نقل ابن قتيبة ما قاله عليه السلام فى الطاعون:«إذا كان ببلد فلا تدخلوه»، وأمره لمن شكا إليه ما لحقه فى الدار بالتحوّل عنها إلى هاهنا لكان قد أصاب، لأنه حمل ذلك على أن تجنّب البلد أسكن للنفس وأطيب للعيش؛ / وكذلك الدار، وهذا يمكن فى قوله عليه السلام:
«لا يوردنّ ذو عاهة على مصحّ» بعينه.
فأما قوله عليه السلام:«فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»، فليس فيه أنّ ذلك لأجل العدوى؛ وقد يمكن أن يكون لأجل نتن ريحه واستقذاره، ونفور النفس عنه، وأن ذلك ربما دعا إلى تعييره والإزراء عليه. وامتناعه عليه السلام من إدخال المجذوم عليه ليبايعه