للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شققا (١) فقالت: كذب والّذي أنزل القرآن على أبى القاسم، من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله! وإنما قال رسول الله: «كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة فى المرأة والدار والدابة»، ثم قرأت: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها؛ [الحديد: ٢٢].

وروى خبرا يرفعه إلى أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال:

يا رسول الله إنا نزلنا دارا فكثر فيها عددنا، وكثر بها أموالنا، ثم تحولنا منها إلى أخرى، فقلّت فيها أموالنا، وقلّ عددنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ذروها فهى ذميمة».

قال ابن قتيبة: " وهذا ليس ينقض الحديث الأول؛ وإنما أمرهم بالتحوّل منها؛ لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال

ظلّها، واستيحاش لما نالهم فيها، فأمرهم بالتحوّل منها، وقد جعل الله فى غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم السوء فيه؛ وإن كان لا سبب لهم فى ذلك؛ وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به، وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به.

قال سيدنا أدام الله علوه: ما وجدنا ابن قتيبة عمل شيئا أكثر من أنه لما أعجزه تأويل الأخبار التى سأل نفسه عنها، والمطابقة بينها وبين قوله عليه السلام: «لا عدوى ولا طيرة» ادّعى الخصوص فيما ظاهره العموم، وخصّ العدوى بشيء دون آخر؛ وكلاهما سواء، وأورد تأويلا/ يدفعه نص قول النبي صلى الله عليه وآله؛ لأنه عليه السلام لما سئل عن النّقبة تقع بمشفر البعير فتجرب لذلك الإبل قال عليه السلام: «فما أعدى الأول؟ » تكذيبا بعدوى هذه النّقبة وتأثيرها، فاطّرح ابن قتيبة ذلك، وزعم أن الجرب يعدى ويؤثر فى المخالط والمؤاكل، وعوّل فى ذلك على قول الأطباء، وترك قول الرسول صلى الله عليه وآله.

ومن طريف أمره أنه قال: " إن الأطباء ينهون عن مجالسة المسلول والمجذوم؛ ولا يريدون


(١) الشفقة فى الأصل: القطع.