للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى الآية: أنّه تعالى لا يكلّم البشر إلّا وحيا؛ بأن يخطر فى قلوبهم، أو بأن ينصب لهم أدلة تدلّهم على ما يريده أو يكرهه منهم؛ فيكون من حيث نصبها للدلالة على ذلك والإرشاد إليه مخاطبا ومكلّما (١) للعباد بما يدلّ عليه. وجعل هذا الخطاب من وراء حجاب من حيث لم يكن مسموعا- كما يسمع الخاطر وقول الرسول- ولا ظاهرا معلوما لكل من أدركه؛ كما أن أقوال الرسل المؤدّين عنه تعالى من الملائكة بهذه الصفة. فصار الحجاب هاهنا كناية عن الخفاء وعبارة عمّا تدلّ عليه الدلالة. وليس لأحد أن يقول: إنّ الّذي تدلّ عليه الأجسام من صفاته تعالى وأحواله ومراده. ولا يقال: إنّه تعالى مكلّم لنا به؛ وذلك أنه غير ممتنع على سبيل التجوّز (٢) أن يقال فيما يدلّ عليه الدليل الّذي نصبه الله تعالى ليدل على مراده، ويرشد إليه: إنه مكلّم لنا ومخاطب به؛ / ولا يمتنع المسلمون أن يقولوا: إنه تعالى خاطبنا بما دلّت عليه الأدلة العقلية، وأمرنا بعبادته واجتناب ما كرهه منا، وفعل ما أراده، وهكذا يقولون فيمن فعل فعلا يدل على أمر من الأمور:

قد خاطبنا فلان بما فعل من كذا وكذا، وقال لنا، وأمرنا؛ وزجرنا، وما أشبه ذلك من الألفاظ التى يجرونها على الكلام الحقيقى. وهذا الاستعمال أكثر وأظهر من أن يورد أمثلته ونظائره.

*** قال سيدنا أدام الله تمكينه: ومن مستحسن ما قيل فى الذئب قول أسماء بن خارجة ابن حصن الفزارىّ:

ولقد ألمّ بنا لنقريه ... بادى الشّقاء محارف الكسب (٣)

يدعو الغنى أن نال علقته ... من مطعم غبّا إلى غبّ


(١) د، ف، حاشية الأصل (من نسخة): «أو مكلما».
(٢) حاشية الأصل (من نسخة): «التجويز».
(٣) من قصيدة له فى الأصمعيات ٩ - ١١، مطلعها:
إنّى لسائل كلّ ذى طبّ ... ماذا دواء صبابة الصبّ.