تلك الحال، أو تقدم النبوة فلا ترجع إلى المسألة. وقد يجوز أن يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى؛ وإظهار الانقطاع إليه، والتقرب منه، وإن لم يكن هناك ذنب معروف.
وقد يجوز أن يكون الغرض فى ذلك مضافا إلى ما قلناه تعليما وتوفيقا على ما نستعمله وندعو به عند الشدائد ونزول الأهوال، وتنبيه القوم المخطئين خاصة على التوبة مما التمسوه من الرؤية/ المستحيلة عليه تعالى؛ فإن الأنبياء، وإن لم يقع منهم القبيح عندنا فقد يقع من غيرهم؛ ويحتاج من وقع ذلك منه إلى التوبة والاستقالة.
فأما قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فإن التجلّى هاهنا التعريف والإعلام والإظهار لما تقتضى المعرفة، كقولهم: هذا كلام جلىّ أى واضح، وكقول الشاعر:
تجلّى لنا بالمشرفيّة والقنا ... وقد كان عن وقع الأسنّة نائيا
أراد أن تدبيره دل عليه حتى علم أنه المدبّر له وإن كان نائيا عن وقع الأسنة، فأقام ما ظهر من دلالة فعله مقام مشاهدته، وعبر عنه بأنه تجلّى منه.
وفى قوله: لِلْجَبَلِ وجهان:
أحدهما أن يكون لأهل الجبل، ومن كان عند الجبل، فحذف؛ كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢]؛ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ؛ [الدخان: ٢٩]؛
وقد علمنا أنه بما أظهره من الآيات إنما دلّ من كان عند الجبل على أن رؤيته تعالى غير جائزة.
والوجه الآخر أن يكون معنى لِلْجَبَلِ أى بالجبل، فأقام اللام مقام الباء؛ كما قال تعالى: