والجواب الثالث فى الآية ما حكى عن بعض من تكلم فى هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال: يجوز أن يكون موسى عليه السلام/ فى وقت مسألته ذلك كان شاكا فى جواز الرؤية على الله تعالى؛ فسأل عن ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا. قال: وليس شكّه فى ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالى بصفاته، بل يجرى مجرى شكّه فى جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الأعراض فى أنه غير مخلّ بما يحتاج إليه فى معرفته تعالى؛ فلا يمتنع أن يكون غلطه فى ذلك ذنبا صغيرا أو تكون التوبة الواقعة منه لأجل ذلك.
وهذا الجواب يبعد من قبل أن الشك فى جواز الرؤية التى لا تقتضى تشبيها، وإن كان لا يمنع من معرفته تعالى بصفاته فإن الشكّ فى ذلك لا يجوز على الأنبياء من حيث يجوز من بعض من بعثوا إليه أن يعرف ذلك على حقيقته، فيكون النبىّ شاكا فيه وغيره عارفا به؛ مع رجوعه إلى المعرفة بالله تعالى، وما يجوز علينا فلا يجوز عليهم، وهذا أقوى فى التنفير وأزيد على كل ما يوجب أن يجنّبه الأنبياء.
فإن قيل: ففى (١) أىّ شيء كانت توبة موسى عليه السلام على الجوابين المتقدمين؟ .
قلنا: اما من ذهب إلى أن المسألة كانت لقومه فإنه يقول: إنما تاب لأنه أقدم على أن سأل على لسان قومه ما لم
يؤذن له فيه؛ وليس للأنبياء ذلك؛ لأنه لا يؤمن أن يكون الصلاح فى المنع منه، فيكون ترك إجابتهم إليه منفّرا عنهم.
ومن ذهب إلى أنه سأل المعرفة الضرورية يقول: إنه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف. وعلى جميع الأحوال تكون التوبة من ذنب صغير لا يستحق عليه العقاب ولا الذم.
والأولى أن يقال فى توبته عليه السلام: إنه ليس فى الآية ما يقتضي أن تكون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر يرجع إليها؛ وقد يجوز أن يكون سأل ذلك؛ إما لذنب صغير تقدم