ووجدت أبا بكر بن الأنبارىّ يقول: إن الاستشهاد بهذه الأبيات لا يجوز على هذا الوجه؛ لأنّ الأبيات اكتفى فيها بذكر فعل عن ذكر فعل غيره، والآية اكتفى فيها باسم دون اسم
والأمر وإن كان على ما قاله فى الاسم والفعل؛ فإن موضع الاستشهاد صحيح؛ لأن الاكتفاء فى الأبيات بفعل عن فعل إنما حسن من حيث دلّ الكلام على المحذوف والمضمر واقتضاه، فحذف تعويلا على أن المراد مفهوم غير ملتبس ولا مشتبه.
وهذا المعنى قائم فى الآية، وإن كان المحذوف اسما؛ لأن اللبس قد زال، والشبهة قد أمنت فى المراد بها؛ فحسن الحذف؛ لأن الفرقان إذا كان اسما للقرآن؛ وكان من المعلوم أن القرآن إنما أنزل على نبينا صلى الله عليه وآله دون موسى عليه السلام استغنى عن ان يقال: وآتينا محمدا الفرقان؛ كما استغنى الشاعر أن يقول: ويفقأ عينيه، وترى لليدين جسأة وبددا، وما شاكل ذلك.
إلا أنه يمكن أن يقال فيما استشهد به فى جميع الأبيات مما لا يمكن أن يقال مثله فى الآية؛ وهو أنّه يقال: لا محذوف، ولا تقدير لفعل مضمر؛ بل الكلام فى كلّ بيت منها محمول على المعنى؛ ومعطوف عليه؛ لأنه لما قال:
* تراه كأنّ الله يجدع ألفه*
وكان معنى الجدع هو الإفساد للعضو والتشويه به عطف على المعنى، فقال:«وعينيه» فكأنه قال: كأنّ الله يجدع أنفه، أى يفسده ويشوّهه، ثم قال:«وعينيه». وكذلك لما كان السامع للغط من الأحشاء عالما به عطف على المعنى فقال:«ولليدين جسأة وبددا»؛ أى أنّه يعلم هذا وذاك معا؛ وكذلك لما كان فى قوله:«علفت» معنى غذيت عطف
عليه الماء؛ لأنه مما
(١) هو عبد الله بن الزبعرى، كما فى حواشى ابن الفوطية على الكامل ١٨٩ ليبسك. وانظر حواشى شرح المرزوقى للحماسة ١١٤٧.