للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إذا جاز أن تجعلوا مِنْ الأخيرة زائدة حتى يكون المنزّل هو البرد، فألّا جعلتم مِنْ الثانية هى الزائدة، ويكون تقدير الكلام: وننزّل من السماء جبالا من برد!

قلنا: ليس يشبه البرد فى نزوله الجبال على وجه ولا سبب؛ والسّحاب المتراكم يشبه الجبال، وقد جرت عادة العرب بتشبيهه بها، فيجب أن تكون الثانية غير زائدة لما ذكرناه، وتكون الأخيرة زائدة؛ وإلّا بقيتا بلا مفعول؛ ولأنه تعالى قال: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ؛ وهذه كناية عن البرد لا الجبال؛ لأنه لو كنّى عنها لقال: فيصيب بها؛ ولأنّ الجبال على التأويلات التى حكيناها كلّها منزّل منها، لا منزّلة.

فإن قيل: ألّا كان المفعول محذوفا مقدّرا؛ وكأنه قال: وننزّل من جبال برد فى السماء بردا؛ والكلام يقتضيه؟

قلنا: إنما نقدّر مفعولا محذوفا فى الموضع الّذي لا نجد فيه مفعولا ظاهر، وقد بيّنّا أنّ فى الآية مفعولا ظاهرا، فيجب صرف الكلام إليه. على أنّه لا بدّ من مفعول؛ إما ظاهرا وهو الّذي أشرنا إليه، أو محذوفا على ما تضمّنه السؤال؛ لا سيّما وفى الكلام كناية عنه فى قوله: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ، وما رأينا أحدا من المفسّرين لهذه الآية- على اختلافهم وذكر أكثرهم كلّ ما تقتضيه وجوه الإعراب فى آيات القرآن- تعرّض لذكر المفعول، ولا قال: إنه ظاهر ولا مقدّر محذوف يدلّ الكلام عليه. وهذا على كل حال تقصير ظاهر.

فأما قوله تعالى: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فالمراد به: فيصيب بضرره من يشاء، ويصرف ضرره عمّن يشاء؛ فإنّ العادة جارية بأنّ البرد يصيب أرضا ويتعدّى ما يجاورها ويلاصقها.