للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما قوله تعالى: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ فسنا البرق ضوأه، وهو مقصور، وسناء المجد والشرف ممدود، والهاء فى بَرْقِهِ راجعة إلى البرد أو السحاب؛ فقد جرى ذكر كلّ واحد منهما؛ ويجوز إضافة البرق إليهما.

فأما قوله: يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ وقد قرئ يَذْهَبُ بضم الياء؛ فالمراد به أنّ البرق من شدة ضوئه يكاد يذهب بالعيون؛ لأنّ النظر إلى ماله شعاع شديد يضرّ بالعين؛ كعين الشمس وما أشبهها؛ والقراءة بفتح الهاء أجود مع دخول الباء؛ تقول العرب: ذهبت بالشيء؛ فإذا أدخلوا الألف أسقطوا الباء فقالوا: أذهبت الشيء؛ بغير باء.

فأما قوله: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ فإنما أراد أنه يأتى بكلّ واحد منهما بدلا من صاحبه، ومعاقبا له؛ لما فى ذلك من المصلحة والمنفعة.

فأما قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ فإنما أراد بالعبرة العظة والاعتبار، وروى عن الحسن أنه قال: إنما أراد ذوى أبصار القلوب لا العيون؛ لأنّ العين لا تضاف إليها العبرة والعظة.

وقال الكلبىّ: لأولى الأبصار فى الدين. وردّ قوم على الكلبىّ بأن قالوا: لو أراد ذلك لقال: لأولى البصائر، لأنّ الدين يقال: فيه بصيرة لا بصر.

والأولى أن يكون المراد بالأبصار هاهنا العيون، لأن بالعيون ترى هذه العجائب التى عدّدها الله تعالى، ثم يكون الاعتبار والعظة فى القلب بها، ويكون من لا موعظة له ولا اعتبار كأنه لا بصر له؛ من حيث لم ينتفع ببصره، فجعل أولى الأبصار هم أولى الاعتبار من حيث انتفع أولو الاعتبار بأبصارهم، وإن لم ينتفع بها من لا اعتبار عنده؛ وهذا كثير فى القرآن؛ فإنه تعالى جعل الكفار فى مواضع كثيرة صما وبكما وعميا؛ من حيث أشبهوا بإعراضهم عن الفكر والتأمل والاعتبار من لا جوارح له. وهذا بيّن لمن تأمله.