فأما قول القائل: ضربته ضربا، وما أشبه ذلك من ذكر المصادر مع الأفعال وفى ذكر الأفعال من غير ذكر المصادر لدلالتها عليها فله وجهان: أحدهما أن يكون نفى صفة الضرب اختصارا؛ وأراد ضربا شديدا مبرّحا، فحذف؛ أو يكون أراد أنّه باشر الضّرب وتولّاه؛ لا أنّه أمر به؛ فقد يقال: ضربه إذا أمر بضربه؛ ولا يكادون يقولون: ضربه ضربا إذا أمر بضربه، ولم يباشره.
فأما قول العرب:«لأمر ما جدع قصير أنفه»، وقولهم:«لأمر ما يسوّد من يسود»، وادعاء من ادّعى أن «ما» هنا زائدة لا معنى تحتها وإنما دخلت للتأكيد؛ فالأولى غير ما ذكره؛ ومعنى قولهم: لأمر ما كان كذا أنه لأمر لست به عارفا؛ لأنهم لا يكادون يقولون: لأمر ما كان كذا وكذا وأنا به عارف؛ وإن جاز أن يقولوا: لأمر كان كذا وأنا به عارف؛ وإنما قالت الزباء:«لأمر ما جدع قصير أنفه»؛ لأنّها كانت جاهلة بسبب قطع أنفه، وغير عالمة به؛ وهذا يبطل قول من جعلها زائدة بغير فائدة.
فأما قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ؛ [آل عمران: ١٥٩] وتقدير قوم أن «ما» هاهنا زائدة فليس الأمر على ما ظنّوه؛ لأن من شأنهم ألا يدخلوا «ما» هاهنا إلا إذا أرادوا الاختصاص وزيادة فائدة على قولهم: فبرحمة من الله لنت لهم؛ لأنّ مع إسقاط «ما» يجوز أن تكون الرحمة سببا للّين وغيرها رقة، ولا يكادون يدخلونها مع «ما» إلا والمراد أنها سببه دون غيرها، فقد أفادت اختصاصا لم يستفد قبل دخولها.
فأما قولهم:«ما إن فى الدار زيد»، فيشبه أن يكون دخولها لفائدة تزيد على قولهم:«ما فى الدار زيد»؛ لأنهم إذا قالوا:«ما فى الدار زيد» جاز أن يريدوا أنّه لا تصرّف له فى الدار ولا تأثير لكونه فيها؛ فكأنه ليس حالّا فيها؛ لأنهم أبدا يقولون: ما فى هذه البلدة أمير؛ ولا لهذا الناس مدبّر؛ يريدون السياسة والتدبير. فإذا قالوا:«ما إن فى الدار زيد»، أو «ما إن للبلد أمير» فلا بدّ أن يريدوا: أنه ليس فيها على الحقيقة من ذكروه؛ وهذا هو معنى قول أهل العربية: إن ذلك للتأكيد؛ ومعنى التأكيد هو الّذي أشرنا إليه؛ لأنّ التأكيد لا يجوز أن يكون لغير فائدة، وأن يكون دخوله كخروجه.