للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: نحن نجوّز ذلك، ولا نمنع أن تختلف العادة فيه؛ كما لا نمنع أن يستمرّ فى كلّ بلد؛ وعند كل أحد، ولا يخرج هذا الحكم مع استمراره من أن يكون مستندا إلى العادة؛ ألا ترى أنّ القاطعين على وقوع العلم الضرورى بمخبر الأخبار إذا كان العدد زائدا على أربعة مع استيفاء باقى الشروط لا يجوّزون أن تختلف العادات فى ذلك؛ بل يقطعون على أنّ العادة مستمرة بذلك فى كل موضع.

فإذا قيل له: كيف يتميّز ذلك وهو معتاد مع الاستمرار من الوجوب؟

قال: فإن المستند إلى العادة لا بدّ من أن يختلف على بعض الوجوه؛ ليفارق بذلك الاختلاف الواجب؛ ويتميّز عنه. والخبر الّذي يجب عنده حصول العلم الضرورىّ قد يقع مثله ومن جنسه؛ مع اختلاف بعض هذه الشروط؛ فلا يجب العلم. فلو كان هناك إيجاب لوجب العلم على كل حال، وهذا بعينه قائم فى السحّارة؛ لأنّ الثقوب لو وسّعت لسال الماء على كل حال، ولو كانت هناك طبيعة موجبة لوقوف الماء لم تختلف الحال على بعض الوجوه.

وبعد، فإن علّة أبى هاشم فى وقوف الماء من السحارة عن السيلان- وإن كنّا قد بيّنا بطلانها- لا نجدها فى القدح المعروف بقدح العدل؛ وهو قدح فى وسطه بربخ [مجوّف يبلغ ارتفاعا إلى قريب من أعلاه، وهذا البربخ] (١) نافذ من جهة أسفله، وعلى رأس هذا البربخ فى وسط القدح كالغشاء يحيط به من جوانبه على تجاف عنه؛ وهو من أعلاه مسدود، ومن أسفله مفروج، فإذا طرحنا فى هذا القدح ماء فهو ثابت؛ حتى يبلغ إلى محاذاة رأس البربخ، فإذا زاد عليها ولو باليسير خرج جميع الماء من القدح بأن يصعد من أسفل القدح إلى رأس البربخ حتى ينزل جميعه.

وأصحاب الملاء يدّعون أن العلّة فى صعود الماء إلى فوق رأس ذلك من شأنه هو اضطرار الخلاء؛ وحتى لا يخلو مكان من متمكّن فيه، فما العلّة فى صعود الماء ثم هبوطه على مذهب أبى هاشم؟ وما يعلّل فى السحارة لا يتأتى هاهنا؛ وليس بعد ذلك إلا إسناده إلى العادة، وجريها.

والله ولىّ التوفيق.


(١) البربخ: منفذ الماء ومجراه.