للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِمَّنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَعَرَفَهُ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَأَسْبَغَ بِهَا عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ لَمَّا تَوَاتَرَ لَدَيْنَا مِنْ حُسْنِ طَرِيقِهِ وَهَدْيِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَبَلَاغَةِ فَهْمِهِ، وَقُوَّةِ عِزِّهِ لِطَاعَةِ رَبِّهِ، فَزَرَعَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَحَبَّتَهُ، وَأَلْقَى فِي أَفْئِدَتِهَا مَوَدَّتَهُ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِخَاصَّةِ الصَّالِحِينَ، فِي إلْقَاءِ مَوَدَّتِهِمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا شُيُوخَنَا الْآخِذِينَ عَنْهُ يَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّهِ مُعَظِّمِينَ لِقَدْرِهِ، مُسَلِّمِينَ لِفَهْمِهِ، لَا يُعَارِضُونَهُ وَلَا يُرَاجِعُونَهُ إلَّا بِأَدَبٍ وَوَقَارٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْبَارٍ، وَقَدْ قَيَّدْنَا عَنْهُمْ مَا سَمِعْنَا مِنْ كَرَامَاتِهِ وَمَا بَلَغَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَسِيَادَاتِهِ وَمَا قُيِّدَ عَنْهُ مِنْ ابْتِكَارَاتِهِ.

وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَآخِرِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَعِلْمِهِ، مَا يَحْمِلُ طَالِبَ الْعِلْمِ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَبِرِّهِ، وَشَاهِدُنَا كُتُبُهُ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ شَافِيَةٌ وَافِيَةٌ الْمُبْرِزُ مِنْ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يَفُكُّ رُمُوزَهَا وَيَفْهَمُ إشَارَاتِهَا وَيَتَفَاخَرُونَ بِذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَكُلُّ ضَعِيفِ الْعَقْلِ خَبِيثُ سَرِيرَةٍ وَكَبِيرُ جَهْلٍ إذَا رَبَتْ بِهِ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ عَلَا وَغَلَا، فَيَتَعَرَّضُ بِالِاعْتِرَاضِ لِلْعَطَبِ وَالْبِلَا حَفِظَ اللَّهُ قُلُوبَنَا وَمَلَأَهَا بِمَحَبَّتِنَا فِي سَادَاتِنَا الَّذِينَ فَتَحُوا لَنَا الْأَبْوَابَ وَهَدَانَا اللَّهُ بِهِمْ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَلَمَّا كُنْت كَثِيرَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ لِهَذَا السَّيِّدِ الْكَرِيمِ أَكْثَرْت مِنْ النَّظَرِ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ وَوَلِعْت فِي طَلَبِ تَفْهِيمِ فَوَائِدِهِ اللُّغَوِيَّةِ فَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُحِبِّينَ مِنْ الطَّلَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْصَنِهِمْ عَلَى النَّظَرِ فِي دَقَائِقِهِ وَالتَّفَقُّهِ فِي حَقَائِقِهِ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفَرْعِيَّاتِ، مُحَصِّلَةٌ لِحَقَائِق الْفِقْهِيَّاتِ، لِأَنَّ رُسُومَهُ قَوَاعِدُ مَذْهَبِيَّةٌ كُلِّيَّاتٌ، فَحِفْظُ الطَّالِبِ لِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ إعَانَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفُرُوعِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ، وَلَمَّا سَمِعَ مِنِّي مِرَارًا بَعْضُ نُبَلَاءِ الطَّلَبَةِ وَنُجْلِ فُضَلَاءِ الْأَحِبَّةِ شَرْحَ كَبِيرٍ مِنْ حَقَائِقِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبَسْطَ مَوَاضِعَ مِنْ دَقَائِقِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، طَلَبَ مِنِّي شَرْحًا لِحُدُودِهِ، مُبَيِّنًا لِفَرَائِدِهِ، وَفَاتِحًا لِأَبْوَابِ عُقُودِهِ، فَرَأَيْت أَنَّ هَذِهِ مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَهِدَايَةٍ مِنْ الْكَرِيمِ سَاقَهَا الْحَلِيمُ إلَيَّ، بِخِدْمَتِي لِشَيْخِ سُنَّةِ، النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الَّذِي كَانَتْ حَيَاتُهُ بِلُطْفِهِ الْجَمِيلِ وَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ فَأَجَبْت السَّائِلَ لِمَا سَأَلَ.

وَاعْتَمَدْت عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَرَغِبْت

<<  <   >  >>