وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا الْحَبْسُ فَيَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَدْخُلُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٍ وَالْحَبْسُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَيُعِينُهُ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَكْسِ الْحَدِّ، وَأَمَّا حَدُّهُ اسْمًا فَقَالَ فِيهِ " مَالُ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ " قَوْلُهُ " مَالُ " مُنَاسِبٌ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَبَيَانُ الْقُيُودِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ.
(فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الثَّانِي وَفِي الْأَوَّلِ لَا بِعِوَضٍ وَهَلَّا قَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الْحَدَّيْنِ وَذَلِكَ أَخَصْرُ فِي الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَكُونُ لَا عَاطِفَةً فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ (قُلْت) يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقَالَ الثَّانِي أَخَصْرُ فِي اللَّفْظِ لَا فِي التَّقْدِيرِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ غَيْرُ مُرَاعًى فِي عَدِّ حُرُوفِ الِاخْتِصَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ جَرَى فِي الْإِعْرَابِ أَنْ لَا عَاطِفَةٌ وَهَلْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا (قُلْت) يَصِحُّ الْعَطْفُ بِهَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو، قَالُوا وَيَصِحُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا أَوْ مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِمْ أَعْطَيْتُك لَا لِتَظْلِمَ أَيْ لِتَعْدِلَ لَا لِتَظْلِمَ وَهُنَا يُقَالُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِتَرْكِ عِوَضٍ لَا بِعِوَضٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَقْضُ طَرْدِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالْحَدِّ الثَّانِي وَبَيَانُ مَا ذَكَرَهُ لَوْ فُرِضَ رَجُلٌ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً، ثُمَّ تَوَفَّى وَتَرَكَ وَارِثًا فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِلْوَارِثِ فِي طَرَفِ الْمَصْدَرِ وَفِي طَرَفِ الِاسْمِ يَصْدُقُ مَالٌ إلَخْ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَارِيَّةِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مَانِعٍ هَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَنَقْضُ طَرْدِهِمَا بِإِرْثِ مِلْكِ مَنْفَعَةِ وَارِثِهِمَا مِمَّنْ حَصَلَا لَهُ بِعِوَضٍ لِحُصُولِهِمَا لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهُ وَبَسْطُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِوَضَ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ رَأْسًا مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْمَالِكِ الْمَوْرُوثِ فَلَا يَصْدُقُ فِيهَا النَّفْيُ الْمُطْلَقُ وَتَقَدَّمَ لَنَا فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ أَنْ يُقَالَ حَافَظَ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِعَكْسِهِ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَعَارَ لَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُعِيرٌ بِنُصُوصِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.
وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ خُرُوجُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْعَارِيَّةِ لِمَا حُوفِظَ فِيهِ عَلَى الطَّرْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الَّذِي وَقَعَ النَّقْضُ بِهِ إنَّ الْوَارِثَ الَّذِي وَرِثَ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ لِمَوْرُوثِهِ وَهِيَ مَنْفَعَةٌ بِعِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute