للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قِيلَ) أَيْضًا مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ فِي الصَّلَاةِ قُرْبَةٌ وَهُنَا عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّ قُرْبَةً أَخْصَرُ لَفْظًا وَالْقُرْبَةُ وَالْعِبَادَةُ مُتَقَارِبَانِ مَعْنًى. فَظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقُرْبَةَ وَرَدَتْ فِي الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] وَقَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ شَرْعًا وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ عَلَى شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةً مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَوْمٍ فَرَأَيْت فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِنِيَّةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَا إيرَادُ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُصَدَّرٌ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْعَدَمِيَّةُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ بِوَجْهٍ وَأَيْضًا مَا قَدَّمْنَا مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ يَرُدُّ هَذَا ثُمَّ قَوْلُهُ " بِنِيَّةٍ " إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ " وَقْتُهَا " إلَخْ مَعْنَاهُ خَاصِّيَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ وَالْوَقْتُ فِي صُورَةِ الْيَمِينِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَجَابَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَنْ أَتَى بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ عِبَادَةٌ يَسْتَدْعِي نِيَّةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى فَلَا نِيَّةَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّسْمَ الْأَوَّلَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّ الصَّوْمَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَاسِدٌ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّحَرُّزَ مِنْ مَوَانِعِهِ وَالثَّانِي قَصَدَ بِهِ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ شَرْحِهِ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْحَدُّ الثَّانِي فَقَوْلُهُ " فَقَدْ يُحَدُّ " إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْحَدَّ عَلَى الرَّسْمِ فِي الثَّانِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ " كَفٌّ " الْكَفُّ هُوَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ هُنَا وَمَدْلُولُ النَّهْيِ مُطْلَقًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ صُومُوا أَيْ كُفُّوا وَالْكَفُّ لُغَةً الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ وَقُصِرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ هُوَ الْكَفَّ الْمَذْكُورَ وَذَلِكَ مَعْنَى النَّهْيِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ الصَّوْمُ مَدْلُولُهُ مَدْلُولَ النَّهْيِ فَيَرْجِعُ الصِّيَامُ فِي الْمَعْنَى إلَى مَعْنَى

<<  <   >  >>