قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقُرْبَةِ أَخْصَرُ وَيَحْصُلُ قَصْدُهُ مِنْهَا (قُلْتُ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي حَدٍّ قَبْلَ هَذَا وَلَمْ تَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ وَالْعِبَادَةُ تَشْمَلُ الْقُرُبَاتِ كُلَّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] فِي الصَّلَاةِ أَشَارَ فِيهَا إلَى حِكْمَتِهَا وَهِيَ التَّقَرُّبُ فَلَاحَظَ ذَلِكَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ اللَّهَ خَصَّ بِهِ الصَّلَاةَ لِشَرَفِهَا وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَصَارَتْ الْعِبَادَةُ كَأَنَّهَا أَعَمُّ وَالْقُرْبَةُ كَأَنَّهَا أَخَصُّ عِبَادَةً فَأَتَى فِيهَا بِأَخَصَّ جِنْسٍ وَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّلَاةَ بِالْقُرْبَةِ لَا يُقَالُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: ٧٧] بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ تَقَرَّبُوا لِرَبِّكُمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ أَوْ حَدِّهَا قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهُنَا لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ (قُلْتُ) ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ أَرْكَانَهُ كُلَّهَا لَيْسَتْ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ الْخَارِجِيَّةَ الْحِسِّيَّةَ كُلَّهَا أَفْعَالٌ مَحْسُوسَةٌ وَالْحَجُّ أَعَمُّ لِأَنَّ فِيهِ أَرْكَانًا فِعْلِيَّةً كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ رُكْنٌ لَيْسَ فِعْلِيًّا بَلْ صِفَةً تَقْدِيرِيَّةً تُوجِبُ عَدَمًا لِمَا مُنِعَ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْعِبَادَةَ هُنَا وَقَيَّدَ الْقُرْبَةَ هُنَاكَ.
(فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ أَتَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ وَلَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَتَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْحَلُّ بِالثَّانِي لِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّلَاةِ خَاصِّيَّتَهَا وَمَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَتَقَرَّرُ الصَّلَاةُ بِوُجُودِهِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي التَّعْرِيفِ وَذُكِرَ فِي الْحَجِّ لَازِمُهُ الْخَاصُّ بِهِ الَّذِي يَمْتَازُ بِسَبَبِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْحَجِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَكَانَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهُ مِنْهُ بِالْخَاصِّيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا اخْتَصَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ عِبَادَةٌ ذَاتُ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ إلَخْ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ مِنْهُ كَمَا حَصَلَ الْقَصْدُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ ذَاتُ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا أَصْرَحُ فِي الرُّكْنِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ذَاتُ وُقُوفٍ وَإِنْ صَحَّ أَنَّ ذَاتَ بِمَعْنَى صَاحِبُ وَالصُّحْبَةُ تَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ لَكِنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ وَخُصَّ ذَلِكَ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِذَاتِ وُقُوفٍ فَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُمَا يَصْحَبُهُمَا وُقُوفٌ فَيُرَدُّ عَدَمُ الطَّرْدِ عَلَى رَسْمِهِ فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا يَقْتَضِي لُزُومًا لِلْعِبَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلُزُومُ الْوُقُوفِ لَيْسَ لِذَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute