للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العيد، معزولًا عن مصلى الرجال، وجعل خير صفوفهن آخرها، وشرّها أوّلها، وكل ذلك لتخفيف الفتنة قدر المستطاع، مع أنه في موضع العبادة، فكيف بغيره؟!!

وعلى أية حال فكل عاقل يعلم أن ثمة فرقا كبيرا بين القسم الأوّل، والثاني، وأنّ الاستدلال بجواز الأول، على جواز الثاني، من قبيل التلبيس، والخلط، وسوء الفهم.

وذلك كمثل من يستدل على جواز بيع السلاح في الأحوال العادية، مع إمكان أن


= الجواب: نعملُ كما قال بعضُ العلماءِ: بأنْ نجعلَ بين كُلِّ صبيين بالغًا مِن الرِّجالِ فَيَصفُّ رَجُلٌ بالغٌ يليه صبيٌّ، ثم رَجُلٌ ثم صبيٌّ، ثم رَجُلٌ، ثم صبيٌّ؛ لأنَّ ذلك أضبطُ وأبعدُ عن التشويشِ، وهذا وإنْ كان يستلزمُ أنْ يتأخَّرَ بعضُ الرِّجالِ إلى الصَّفِّ الثاني أو الثالثِ حسب كثرة الصبيان؛ فإنَّه يحصُلُ به فائدةٌ، وهي الخشوعُ في الصَّلاةِ وعدمُ التشويشِ».انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (٤/ ٢٧٨ - ٢٧٩).
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لما رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»: «وفي قوله: «لِيَلِنِى مِنْكُمْ» اللام لام الأمر، والمعنى أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولو الأحلام والنهى، وأولو الأحلام يعني الذين بلغوا الحُلُم، وهم البالغون، والنهى جمع نهية وهي العقل، يعني العقلاء، فالذي يجب أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون؛ لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فلهذا حث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتقدم هؤلاء حتى يَلُوا الإمام.
وليس معنى الحديث لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول فإن هذا لا يجوز، فلا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدُثَ منهم أذية؛ فإن لم يحدث منهم أذية فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به، وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية (لا يلني إلا أولو الأحلام) وبين قوله (ليلني أولو الأحلام) فالثانية تحُتُّ تحُثُّ الكبار العقلاء على التقدم، والأولى لو قُدِّرَ أنها نَصُّ الحديث لكان ينهى أن يلي الإمام مَن ليس بالغًا أو ليس عاقلًا.

ولهذا نقول: إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطأوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم، ومن جهة أخرى أنهم يُكَرِّهُون الصبيان المساجد؛ وهذا يؤدي إلى أن ينفر الصبي عن المسجد إذا كان يُطْرَدُ عنه، ومنها أن هذه لا تزال في نفسه عقدة مِن الذي طرده فتجده يكرهه ويكره ذكره؛ فمن أجل هذه المفاسد نقول: لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف، ثم إننا لو طردناهم من أوائل الصفوف حصل منهم لعب لو كانوا كلهم في صف واحد، كما يقوله مَن يقوله مِن أهل العلم لحصل منهم مِن اللعب ما يوجب اضطراب المسجد واضطراب أهل المسجد، ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد. (شرح رياض الصالحين (٢/ ١٦٧ - ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>