للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الحادية والثلاثون:

إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ:

عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» (رواه أبو داود وصححه الألباني).

الجواب:

هذا الحديث ليس فيه ما يدل على جواز الاختلاط، بل أخذ منه بعض أهل العلم أن العبد مَحْرَمٌ لسيدته يجوز له النظر إليها.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الغلام كان صغيرًا.

قال صاحب عون المعبود: (أَتَى فَاطِمَة بِعَبْدٍ): أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ (وَعَلَى فَاطِمَة ثَوْب): أَيْ قَصِير (إِذَا قَنَّعَتْ): أَيْ سَتَرَتْ (فَلَمَّا رَأَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى): أَيْ مَا تَلْقَاهُ فَاطِمَة مِنْ التَّحَيُّر وَالْخَجَل وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة فِي التَّسَتُّر مِنْ جَرّ الثَّوْب مِنْ رِجْلهَا إِلَى رَأْسهَا وَمِنْ رَأْسهَا إِلَى رِجْلهَا حَيَاء أَوْ تَنَزُّهًا (قَالَ إِنَّهُ): الضَّمِير لِلشَّأْنِ (إِنَّمَا هُوَ): أَيْ مَنْ اِسْتَحْيَيْت مِنْهُ (أَبُوك وَغُلَامك): أَيْ عَبْدك.

وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْعَبْدِ النَّظَر إِلَى سَيِّدَته وَأَنَّهُ مِنْ مَحَارِمهَا يَخْلُو بِهَا وَيُسَافِر مَعَهَا وَيَنْظُر مِنْهَا مَا يَنْظُر إِلَيْهِ مَحْرَمهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ عَائِشَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَأَصْحَابه وَهُوَ قَوْل أَكْثَر السَّلَف.

وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْمَمْلُوك كَالْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّة تَزَوُّجهَا إِيَّاهُ بَعْد الْعِتْق وَحَمَلَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْعَبْد كَانَ صَغِيرًا لِإِطْلَاقِ لَفْظ الْغُلَام وَلِأَنَّهَا وَاقِعَة حَال.

وَاحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا بِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>