للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الثالثة والأربعون:

وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ:

قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبة الوداع: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ (١)، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (رواه مسلم).

وفي رواية الترمذي وابن ماجه ـ والتي حسنها الألباني ـ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا (٢)، إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى


(١) قال الإمام النووي: «فِيهِ الْحَثّ عَلَى مُرَاعَاة حَقّ النِّسَاء وَالْوَصِيَّة بِهِنَّ وَمُعَاشَرَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة صَحِيحَة فِي الْوَصِيَّة بِهِنَّ وَبَيَان حُقُوقهنَّ، وَالتَّحْذِير مِنْ التَّقْصِير فِي ذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعْتهَا أَوْ مُعْظَمهَا فِي رِيَاض الصَّالِحِينَ ....
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجهنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) قِيلَ: مَعْنَاهُ قَوْله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة:٢٢٩)، وَقِيلَ: الْمُرَاد كَلِمَة التَّوْحِيد وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله، مُحَمَّد رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ إِذْ لَا تَحِلّ مُسْلِمَة لِغَيْرِ مُسْلِم، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِإِبَاحَةِ اللهِ، وَالْكَلِمَة قَوْله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: ٣)، وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّحِيح، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا.
وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم
أَمَّا الضَّرْب الْمُبَرِّح فَهُوَ الضَّرْب الشَّدِيد الشَّاقّ، وَمَعْنَاهُ اِضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا لَيْسَ بِشَدِيدٍ وَلَا شَاقّ.
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقهنَّ وَكِسْوَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فِيهِ وُجُوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَكِسْوَتهَا وَذَلِكَ ثَابِت بِالْإِجْمَاعِ». (باختصار من شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (٨/ ١٨٤).
(٢) قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: «قَوْله (اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ.
(عَوَان) جَمَعَ عَانِيَة بِمَعْنَى الْأَسِيرَة.
(غَيْر ذَلِكَ) أَيْ غَيْر الْأَمْر الْمَعْهُود الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ نِكَاحُهُنَّ. ... =
= قَوْله (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ إِلَخْ) أَيْ لَا تَمْلِكُونَ غَيْر ذَلِكَ فِي وَقْت إِلَّا وَقْت إِتْيَانهنَّ بِفَاحِشَةِ مُبَيِّنَة أَيْ ظَاهِرَة فُحْشًا وَقُبْحًا وَالْمُرَاد النُّشُوز وَشَكَاسَة الْخُلُق وَإِيذَاء الزَّوْج وَأَهْله بِاللِّسَانِ وَالْيَد لَا الزِّنَا؛ إِذْ لَا يُنَاسِب (ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح) وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِم لِقَوْلِهِ تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (النساء: ٣٤) الْآيَة؛ فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْمُرَاد بِالضَّرْبِ فِيهَا هُوَ الضَّرْب الْمُتَوَسِّط لَا الشَّدِيد.
(وَالْمَضَاجِع) الْمَرَاقِد أَيْ فَلَا تُدْخِلُوهُنَّ تَحْت اللُّحُف وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ فَيَكُون كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع.
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فِي تَرْك النُّشُوز. (فَلَا تَبْغُوا إِلَخْ) بِالتَّوْبِيخِ وَالْأَذِيَّة أَيْ فَأَزِيلُوا عَنْهُنَّ التَّعَرُّض وَاجْعَلُوا مَا كَانَ مِنْهُنَّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَإِنَّ التَّائِب مِنْ الذَّنْب كَمَنْ لَا ذَنْب لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>