قال - رحمه الله -: «رخَّص الله سبحانه للقواعد من النساء، أي: العجائز، اللائي تقدم بهن السنّ، فقعدن عن الحيض والحمل ويئِسْنَ من الولد أن يضعن ثيابهن الظاهرة من الجلباب والخمار، التي ذكرها الله سبحانه في آيات ضرب الحجاب على نساء المؤمنين، فيكشفن عن الوجه والكفين، ورفع تعالى الإثم والجناح عنهن في ذلك بشرطين:
الشرط الأول: أن يَكُنَّ من اللاتي لم يبق فيهن زينة ولا هن محل للشهوة، وهن اللائي لا يرجون نكاحًا، فلا يَطْمَعْنَ فيه، ولا يُطْمَع فيهن أن يُنكحن؛ لأنهن عجائز لا يَشتَهين ولا يُشتَهَيْن، أما من بقيت فيها بقية من جمال ومحل للشهوة، فلا يجوز لها ذلك.
الشرط الثاني: أن يكن غير متبرجات بزينة، وهذا يتكون من أمرين:
أحدهما: أن يَكُنَّ غير قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفيف إذا احتجن إليه.
وثانيهما: أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها.
فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة.
ثم قال ربنا جل وعلا:{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}، وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة.
فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة.