للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا يُرَافِق الشَّاة رَاعِيهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الذِّئَاب فَإِنَّ عَجْزنَا عَنْ أَنْ نَأْخُذ الآبَاء وَالْإِخْوَة وَالْأَزْوَاج بِذَلِكَ فَلْنَنْفُضْ أَيْدِينَا مِنْ الأُمَّة جَمِيعهَا نِسائِها ورجالها، فليسَتْ المرأة بأقدر على إصلاح نفسِها مِن الرجُل عَلَى إِصْلَاحهَا.

إِنَّا نَضْرَع إِلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا تِلْكَ البَقِيَّة البَاقِيَة مِنْ نِسَاء الأُمَّة مُطْمَئِنَات فِي بُيُوتهنَّ وَلَا تزعجوهن بِأَحْلَامِكُمْ وَآمَالكُمْ كَمَا أَزْعَجْتُمْ مَنْ قَبْلَهُنَّ فَكُلّ جُرْح مِنْ جُرُوح الأُمَّة لَهُ دَوَاء إِلَّا جُرْح الشَّرَف فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا فَانْتَظِرُوا بِأَنْفُسِكُمْ قَلِيلًا رَيْثَمَا تَنْتَزِع الأَيَّام مِنْ صُدُوركُمْ هَذِهِ الغَيْرَة التِي وَرِثْتُمُوهَا عَنْ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادكُمْ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعِيشُوا فيّ حَيَاتكُمْ الجَدِيدَة سُعَدَاء آمِنِينَ».

فَمَا زَادَ الفَتِيّ عَلَى أَنْ اِبْتَسَمَ فِي وَجْهَيْ اِبْتِسَامَة الهزء وَالسُّخْرِيَة وَقَال: «تِلْكَ حَمَاقَات مَا جِئْنَا إِلَّا لِمُعَالَجَتِهَا فلنصطبر عَلَيْهَا حَتَّى يَقْضِي اللهُ بَيْننَا وَبَيْنهَا».

فَقُلْت لَهُ: «لَك أَمْرك فِي نَفْسك وَفِي أَهْلك فَاصْنَعْ بِهِمَا مَا تَشَاء، وَأْذَنَ لِي أَنْ أَقُول لَك إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَخْتَلِف إِلَى بَيْتك بَعْد اليَوْم إِبْقَاء عَلَيْك وَعَلَى نَفْسي؛ لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّ السَّاعَة التِي يَنْفَرِج لِي فِيهَا جَانِب سِتْر مِنْ أَسْتَار بَيْتك عَنْ وَجْه اِمْرَأَة مِنْ أَهْلك تَقْتُلنِي حياء وَخَجَلًا»، ثُمَّ أنصرفْتُ وَكَانَ هَذَا فِرَاق مَا بَيْنِي وَبَيْنه.

وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى سَمِعْتُ النَّاس يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ فُلَانًا هَتَكَ السِّتْر فِي مَنْزِله بَيْن نِسَائِهِ وَرِجَاله وَأَنَّ بَيْته أَصْبَحَ مَغْشِيًّا لا تَزَال النِّعَال خَافِقَة بِبَابِهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَيَّ دَمْعَة لَا أَعْلَم هَلْ هِيَ دَمْعَة الغَيْرَة عَلَى العَرْض المذال (١) أَوْ الحُزْن عَلَى الصَّدِيق المَفْقُود.

مَرَّتْ عَلَى تِلْكَ الحَادِثَة ثَلَاثَة أَعْوَام لَا أَزُورهُ فِيهَا وَلَا يَزُورنِي وَلَا أَلْقَاهُ فِي طَرِيقه إِلَّا قَلِيلًا


(١) يَمْذَل الرجل أَي يَقْلَق بسرِّه حتى يُذيعه، أَو بِمَضْجَعه حتى يتحول عنه، أَو بمَالِه حتى يُنْفِقه.
والمِذالُ: أن يَقْلَقَ الرجلُ عن فِراشِه الذي يُضاجِعُ عليه زَوْجَتَه ويَتَحَوَّلُ عنه حتى يَفْتَرِشَها غيرُه.
(تاج العروس، لسان العرب (مادة مذل)، النهاية في غريب الأثر، (باب الميم مع الذال).

<<  <  ج: ص:  >  >>