للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَعْض الطُّرُق) أَيْ وَقَفَ مَعَهَا فِي طَرِيق مَسْلُوك لِيَقْضِيَ حَاجَتهَا وَيُفْتِيهَا فِي الْخَلْوَة، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَمَرّ النَّاس وَمُشَاهَدَتهمْ إِيَّاهُ وَإِيَّاهَا، لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهَا، لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ» (١).

تنبيه: ليس فى قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» مَرَّتَيْنِ ـ ما يطعن فى عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم - فى سلوكه وهديه، لأن هذه الكلمة قالها النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - جهارًا على ملأ من الناس لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس.

يدل على ذلك ما أخرجه البخارى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْتَنًّا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ».

وهو على طريق الإجمال، أى: مجموعكم أحب إلى من مجموع غيركم؛ فالكلمة إذن لم يَقُلها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مغازلًا للمرأة الأنصارية التى اختلى بها ليقضى حاجتها؛ كما يحاول أن يزعم ويستنتج أعداء الإسلام! وإنما قالها - صلى الله عليه وآله وسلم -، خطابًا لمجموع الأنصار.

وتأمل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنَّكُمْ» ولم يقل «إنَّكِ».

ومما يدل على ذلك أن الراوى للحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، سمع هذه الجملة: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ».وسمع كم مرة كررها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإذا كانت الكلمة مقصودًا بها المغازلة؛ فلِمَ جهر بها - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى سمعها أنس؟!

ولِمَ لَمْ يُسِرّ بها حتى لا يسمعها أنس إن كان مقصودًا بها ما يزعمه أعداء عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم -.

إن هذه الجملة: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، قالها المعصوم - صلى الله عليه وآله وسلم - منقبة للأنصار، حيث جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق:


(١) شرح صحيح مسلم (١٥/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>