بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ، وَغُلَامُكِ» فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْغُلَامُ صَغِيرًا.
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَيْف يُفْتَح هَذَا الْبَابُ لِلنِّسْوَةِ الْفَاسِقَاتِ؟ مَعَ حِسَانِ الْمَمَالِيكِ، الَّذِينَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ الْفِسْقُ، بَلْ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ؟ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ الْإِنْسَانُ الْإِفْتَاءَ بِأَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ يَبِيتُ وَيَقِيلُ مَعَ سَيِّدَتِهِ، مُكَرِّرًا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الدِّينِ؟ وَكُلّ مُنْصِفٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تَسْتَقْبِحُ هَذَا وَتُحَرِّمُهُ أَشَدَّ تَحْرِيمٍ.
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ: لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا فِي الْإِمَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا» انْتَهَى كَلَام النَّوَوِيِّ.
وَقَدْ اخْتَارَ التَّحْرِيمَ أَيْضًا: السُّبْكِيُّ ... وَقَالَ: إنَّ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا، لَا سِيَّمَا وَالْغُلَامُ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ بُلُوغُهُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْجَوَازِ.
وَلَمْ يَحْصُلْ مَعَ ذَلِكَ خَلْوَةٌ، وَلَا مَعْرِفَةُ مَا حَصَلَ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ الْبَأْسِ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي عُلِمَتْ حَقِيقَتُهَا.
وَلَمْ تَجِد فَاطِمَةُ مَا يَحْصُل بِهِ كَمَالُ السَّتْرِ الَّذِي قَصَدَتْهُ.
وَغَايَتُهُ: التَّعْلِيلُ بِاسْمِ الْغُلَامِ، وَهُوَ اسْمٌ لَلصَّبِيِّ، أَوْ مُحْتَمَلٌ لَهُ، وَالِاحْتِمَالُ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ. انْتَهَى.
وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَفْتَيْت بِهِ مَرَّاتٍ.
وَلَا أَعْتَقِدُ سِوَاهُ» (١).
(١) الأشباه والنظائر (١/ ٤٧٤ - ٤٧٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute