للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولها: «تُغَنِّيَان»؛ أي: ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب، وهو المسمَّى عندهم بالنصب، وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط، وهو يجري مجرى الحداء» (١).

وقال القاضي عياض: «وقوله: (وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ)، قال الإمام: الغناء باَلة يمنع، وبغير آلةِ اختلف الناس فيه، فمنعه أبو حنيفة، وكرهه الشافعى ومالك، وحكى أصحاب الشافعى عن مالك أن مذهبه الإجازة من غير كراهة.

قال القاضى: المعروف عن مالك فيه المنعُ لا الإجازةُ، ومثل هذه القصة لعائشة وهى حينئذ ـ والله أعلم ـ بقرب ابتنائه بها، وفى سن من لم يُكَلّفُ.

وفى أول الأمر، ومعها جاريتان من سِنِّها، ثم ما أنشدتاه ليس فيه شعرٌ بسب ولا رفث؛ لأنه قال «بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ»، وإنما هى من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور، والغلبة، وكل هذا مما لا يهيج على مثلِهِنَّ شرًّا، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وانما هو رفع الصوتِ بالإنشاد، اْلا ترى قوله فى الحديث: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» أى ليستا ممن يغنى بما جرت به عادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال مما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، كما قيل: «الغناء رقية الزنا»، أو: ليستا أيضًا ممن اشتُهِر وعُرِفَ بالإحسان فى الغناء الذى فيه تمطيطٌ وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخد هذا صناعة وكسبًا، وقد تقدم أن الجهر ورفع الصوت تسميه العربُ غناءً، ألا ترى كيف قال فى الرواية الأخرى: (بِغِنَاءِ بُعَاث)، فسمى أشعارَهم غناءً، وليس مجرد الإنشاد والترنم على عادة العرب من الغناء المختلف فيه» (٢).


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٨/ ١٠).
(٢) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (٣/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>