للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى الكراهة في كلام الأئمة:

إن من يتبعون الشهوات غالبًا ما يستدلون بزلّات العلماء، ولكن ليس لهم في كلام الإمام مالك ما يؤيد دعواهم، فمعنى كلام الإمام مالك - رحمه الله - تحريم الخلوة بالأجنبية وليس كراهيتها فقط.

قال الإمام الشاطبي المالكي - رحمه الله -: «وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح المتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع، وأشباه ذلك.

وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحًا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام. ويتحامون العبارة خوفًا مما في الآية من قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (النحل: ١١٦)، وحكى مالك عمن تقدم هذا المعنى.

فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها: أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه، وما أشبه ذلك، فلا تَقْطَعَنّ على أنهم يريدون التنزيه فقط» (١).

ومما يوضح كلام الإمام الشاطبي أن الإمام الترمذي قال في سننه: «باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ»، وذكر فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (٢) فهل يُعقل أن يستدل الإمام الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية؟!!


(١) الاعتصام (٢/ ٣٩٧، ٣٩٨).
(٢) رواه الإمام الترمذي (١٣٥) وصححه الشيخ الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>