للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الشرف ليس جوهرًا قائمًا منفصلًا، أو متبعضًا عن غيره، وكذلك العفة ليست كائنًا يمشي على الأرض، ويمسك باليد، بل هي أعراض قائمة بالنفوس، فإذا جُبْتَ الطرقات والخلوات، فلن تصادف جسمًا اسمه الشرف، وإذا شققت إنسانًا وفتشت بين جنباته، فلن تجد قطعة اسمها العفة، ولكن ربما وجدت قلوبًا حية بيضاء، وهذه لا تزال صافية، حتى يسقط فيها ما يكدرها.

إن الصفات والأعراض قابلة للتأثر إذا لم تُصَنْ فكم رأيتَ إنسانًا يتقاطر الحياء من محياه، فعاد إليك بعد أن خالط أقوامًا لم يتركوا في وجهه قطرة ماء.

إن من المستهجن في العقول أن تقول لغواص يجوب أعماق البحار، انزع لباسك الضافي الأسود وإياك إياك أن تبتل بالماء!

ومن قبيله ترك المباعدة بين الرجال والنساء وترَقُّب السلامة.

ألم ير من ينادي بهتك الستر بين الرجال والنساء أثر ذلك في الغرب المتحضر؟ هل خفف ذلك من ثورة الشهوات؟ أم أتاح لها متنفسًا فلوثت الأعراض؟

ثم هب أن امرأة درجت على مخالطة الرجال فسلم لها شرفها وحياؤها فلم يهزل، فمن الذي يكفل عدم خدشها من قبل ثعالب وذئاب البشر.

قالتْ بنو عامرٍ: «خَلّوا بني أسدٍ» ... يابُؤس للجهلِ ضَرَّارًا لأقوام

تَعْدُو الذئابُ علَى مَن لَا كِلابَ له ... تَتّقِي صَوْلَةَ المُسْتَثْفِرِ الحَامِي (١)

وفي الإحصاءات التي تبين ما هو ماثل في أرض الواقع ما يغني عن الأخبار، نسأل


(١) الأبيات للنابغة الذبياني، والمستثفر الحامي: أراد به الكلب يدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه، متأهبًا للحماية.

<<  <  ج: ص:  >  >>