مكة وليس بينهم وبين مكة شيء، وأن يعودوا لقضاء هذه العمرة نفسها العام القادم، وأن مَن فَرّ من المسلمين إلى قريش فلا يردونه، ومن فر من قريش مسلمًا إلى الرسول ردَّه إليهم وشروط أخرى لم يرتضِها المسلمون إلا موافقة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطاعة لله سبحانه وتعالى.
ولذلك لما أمرهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتحلل من العمرة في مكانهم بالحديبية لم ينشط أحدٌ منهم لتنفيذ أمر الرسول - رضي الله عنه - فلما دخل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مهمومًا وأخبر أم سلمة - رضي الله عنها - بما لقي من الناس أشارت إليه أن يخرج بنفسه فيحلق شعره، ويذبح هديه، وأنهم سيفعلون وقد كان.
وليس في هذه القصة إلا أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخذ برأي أم سلمة - رضي الله عنها - عندما أشارت بهذا الرأي الصائب، وأن أم سلمة - رضي الله عنها - كانت راجحة العقل نافذة البصر ويستفاد من هذا: جواز استشارة المرأة وجواز أخذ رأيها، وفضل أم سلمة - رضي الله عنها -، وصبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وحلمه، وما اعترى الصحابة - رضي الله عنهم - من الذهول والغم من جراء صلح الحديبية ثم ما مَنَّ الله عليهم بعد ذلك من التسليم والطمأنينة؛ كما قال تعالى في الآيات التي نزلت في هذه الحادثة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٤)} (الفتح:٤)، وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٢٦)(الفتح: ٢٦).
فما وجه الدلالة أن يكون سماع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لمشورة أم سلمة - رضي الله عنها - دليلًا على جواز انتخابها وترشيحها، وهل جعل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أم سلمة - رضي الله عنها - عضوًا