[ما يحل به دم ومال المسلم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفس مؤمنة بغير حق فيقتل به, وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة].
قال المؤلف في الفقرة التي قبل هذه: (ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فأراد المؤلف رحمه الله الرد على الرافضة الذين يجيزون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة لا يكون بولي وشاهدي عدل, ونكاحهم نكاح مؤقت, فيتفق الرجل مع المرأة وقد لا يتفق مع وليها, وكذلك الأحناف الذين يقولون: إنه يصح النكاح بدون ولي, وهو يشير إلى حديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وفي حديث آخر (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل) وفي الحديث الآخر: (لا تزوج المرأة نفسها، ولا تزوج المرأة المرأة، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها).
فلا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وكذلك لا تحل له بعد طلاق الثلاث؛ لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:٢٢٩] ثم قال بعد ذلك: ((فَإِنْ طَلَّقَهَا)) يعني: الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا} [البقرة:٢٣٠] فإذا أبقاها عنده بعد الطلاق الثلاث فإن نكاحه يكون زنا والعياذ بالله؛ ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله النكاح بولي وحكم الطلاق.
ثم قال: (ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفساً مؤمنة بغير حق فيقتل به) , يشير بهذا إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة) فنفس المسلم معصومة إلا إذا ارتكب واحدة من هذه الثلاث، والإحصان المراد به الزواج، فالمحصن هو الذي تزوج في عمره ولو مرة واحدة، فإذا زنى وكان قد تزوج ولو مرة في العمر ولو لم يكن معه زوجة ولو ليلة واحدة دخل بها على امرأته فيسمى محصناً، فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت, أما إذا زنى وهو بكر ولم يتزوج فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً عن البلد.
(أو مرتد بعد إيمان): وهو التارك لدينه المفارق للجماعة، فإذا ارتد المسلم فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).
والثالث: (إذا قتل نفساً مؤمنة بغير حق فإنه يقتل به) , فهذه الثلاث إذا ارتكب المسلم واحدة منها أحل دمه, وما عدا ذلك فهو معصوم الدم والمال؛ ولذلك قال المؤلف: (وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة).