للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصول البدع والأهواء أربعة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلموا رحمكم الله أن أصول البدع أربعة أبواب: انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى، ثم يصير كل واحد من البدع يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة قالة، وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة، وهو من آمن بما في هذا الكتاب، واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله].

وهنا لم يذكر الأربعة أبواب، لكن ذكرها سيأتي فيما بعد.

وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء تشعب اثنان وسبعون هوى، وهذه الأربعة هي: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج.

وهذه هي أصول البدع، فالقدرية هم الذين أنكروا القدر ونفوا قدر الله، والمرجئة هم الذين نفوا أن الأعمال مطلوبة.

وذكر غيره أن أصول البدعة خمسة وزاد الجهمية، ثم تتشعب بقية الفرق، وتكون ثلاثة وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة.

قوله: (انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى)، أي: تفرع من الفرق الأربع اثنان وسبعون فرقة، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة).

ثم يصير كل واحد من البدع يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة قالة)، وهذا التحديد فيه نظر، فالمقالات ليس لها حد، والأقوال لا تنحصر، ومعنى الكلام: أن الفرقة تتشعب إلى أقوال متعددة، فقد تكون فرقة واحدة لها عدة أقوال، وكلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

فلا يصح تحديد الأقوال، أما الفرق فالرسول حددها وأنها ثلاث وسبعون فرقة.

(وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة، وهو من آمن بما في هذا الكتاب)، والضمير يعود إلى الواحدة التي سلمت من النار.

وقوله: (من آمن بما في هذا الكتاب)، أي: كتاب المؤلف، فمن اعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة وهو الناجي إن شاء الله.

وكان الأفضل بالمؤلف أن يقول: إن شاء الله أن من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة ولا شكوك فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله، ليجعل بذلك الخيار لله.

وكان أولى بالمؤلف قبل ذلك أن يقول: وهو من آمن بالكتاب والسنة، وعمل بالكتاب والسنة، واستقام على الدين.

وهذا أولى من قوله: (وهو من آمن بما في هذا الكتاب)؛ لأن هذا الكتاب من وضعه، ووضع البشر معرض للخطأ، وفيه أقوال ضعيفة كما سمعتم، وأقوال مرجوحة.

ولكنه استثنى وقال في آخر كلامه: (إن شاء الله).

<<  <  ج: ص:  >  >>