للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بأن كل شيء بقضاء وقدر]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره].

قوله: (واعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره)، أي: تيقن أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فالآجال والأعمار والذوات والأشخاص والصفات والحركة والسكون والأفعال وكل شيء قد قضاه الله وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

فلا بد للمسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره في كل شيء، وأن الله قد علم الأشياء قبل كونها، وكتبها في اللوح المحفوظ، وأراد كل شيء في هذا الوجود قضاءً وقدراً، وخلق كل شيء في هذا الوجود.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم].

يجب على المسلم أن يؤمن بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]، وقال سبحانه: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤].

قال العلماء: التأكيد بالمصدر يدل على أن المراد الحقيقة ويمنع المجاز الذي يزعمه بعض المبتدعة الذين أنكروا الكلام، ولهذا قال المؤلف: (وموسى يسمع من الله الكلام بصوتٍ وقع في مسامعه منه لا من غيره).

وهذا خلاف المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يكلم موسى، وقالوا: إن الله خلق الكلام في الشجرة فكلمت موسى، فالشجرة هي التي كلمت موسى عند المعتزلة، والشجرة هي التي قالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:٣٠]، فهل يكون هذا؟! نسأل الله السلامة والعافية، فهذا كفر وضلال؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم)، واحتالوا في تحريف الآية، فقرأ بعض المعتزلة وبعض الجهمية قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] بالنصب؛ حتى يكون المكلِّم هو موسى، والله هو المكلَّم؛ لأنه لا يتكلم، فموسى قادر على الكلام والرب غير قادر على الكلام نعوذ بالله، وهذه القراءة تحريف لفظي، فقال لهم بعض أهل السنة: هب يا جهمي! أنك استطعت أن تحرف هذه الآية، فكيف تقول في قوله تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣]؟ فلم يستطع أن يحرفها لفظاً، فحرفها معنىً فقال: ((وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) أي: جرحه بمخالب الحكمة، فهي مأخوذة من الكَلْم وهو الجرح، ومنه قولهم: فلان كَلْمه يدمى، أي: جرحه، فمن أراد الله فتنته فلا حيلة فيه، فالجهمية لما لم يستطيعوا أن يحرفوا لفظ هذه الآية حرفوا معناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>