قال المؤلف رحمه الله تعالى:[واعلم أنه ما عُبِدَ الله بمثل الخوف من الله، وطريق الخوف والحزن والشفقة والحياء من الله تبارك وتعالى].
فالإنسان يعبد الله بالخوف، ويعبده أيضاً بالرجاء والحب، وهذه أركان العبادة، فالإنسان يخاف من ذنوبه ومعاصيه، إلا أن هذا الخوف يرافقه الرجاء؛ حتى لا يكون سوء ظن بالله؛ لأنه لو لم يكن معه رجاء لصار الخوف يؤدي به إلى القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، وسوء الظن بالله، لكن الرجاء يمنعه.
وكذلك على الإنسان أن يرجو الله، إلا أن هذا الرجاء يرافقه خوف؛ ولو لم يكن كذلك لاستخف الإنسان إتيان المعاصي.
ولهذا يقول العلماء: إنه لا بد من هذه الأركان الثلاثة: حب، وخوف، ورجاء، ومن عبد الله بواحد منها فإنه لم يعبد الله، فمن عبد الله بالحب وحده كان زنديقاً، فهذه طريقة الزنادقة الصوفية، كما يذكر في كتب الوعظ عن رابعة العدوية أنها قالت: ما عبدت الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، فأكون كأسير السوء، ولكن عبدته حباً لذاته وشوقاً إليه.
وهذا غلط، فالله تعالى قال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء:٩٠]، وقال عن المتقين:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة:١٦]، وقال:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:٥٧] فلا بد من الرجاء والخوف.
وطريق الخوف والحزن والشفقة والحياء من الله تبارك وتعالى)، كما سبق أنه لا بد أن يكون مع الخوف رجاء وحب؛ لأن الخوف وحده يوصل إلى التشاؤم، وسوء الظن بالله والقنوط، ولا بد أن يكون مع الرجاء خوف حتى لا يسترسل الإنسان في المعاصي.