[ذكر نواقض الإسلام]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة].
يقول: لا نخرج أحداً من الإسلام إلا إذا فعل مكفراً، كأن يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يجحد آية من آيات الله، كأن يرد آية الاستواء وهي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، لا متأولاً بل جاحداً، وهناك فرق بين المتأول والجاحد، فالمتأول يقول: (استوى) بمعنى: استولى وهذا عاص مبتدع؛ لأنه يعتقد أنها آية، ولا ينكرها ولكنه يؤولها.
أما الجاحد فهو ينكر ويعتقد أنها ليست آية، والجاحد يكفر بينما المتأول لا يكفر؛ ولهذا قال المؤلف: (لا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئاً من آثار رسوله صلى الله عليه وسلم)، كأن يرد حديثاً ثابتاً من الأحاديث المتواترة بعد علمه أنه حديث ثابت متواتر.
(أو يذبح لغير الله) إن ذبح لغير الله صار مشركاً كافراً.
(أو يصلي لغير الله) إذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام إذا رأيت أحداً يدعو غير الله يقول: يا رسول الله اشفع لي، أو يقول: مدد يا بدوي! مدد يا دسوقي! مدد يا عبد القادر! خذ بيدي، أو يذبح أو عجلاً أو دجاجة للبدوي أو للحسين، أو للرسول أو للنجم أو للقمر، أو ينذر إن شفا الله مريضه ليذبحن خروفاً على روح السيد البدوي، أو على روح الرسول أو يطوف في القبر تقرباً إليه فهذا كافر مشرك، وإذا صلى لغير الله فهو مشرك.
إذا فعل الإنسان شيئاً من ذلك وجب عليك أن تخرجه من الإسلام أي: تعتقد جازماً أنه كافر؛ لأنه من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، والتوحيد لا بد له من شيئين: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦]، ومن لم يكفر الكافر لم يكفر بالطاغوت، وكلمة التوحيد: لا إله إلا الله فيها كفر وإيمان، لا إله: كفر بالطاغوت، إلا الله: إيمان بالله، ومن لم يكفر الكفار والمشركين ويقول: إن النصارى على الحق، ويقول: اليهود على دين، والنصارى على دين، والمسلمين على دين وكل هذه الأديان نزلت من السماء فقد وقع في الكفر، ومن لم يكفره أو شك في كفره فهو كافر مثله، ومن لم يكفر اليهود أو النصارى أو شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن مسلم، يعني: نسميه مسلماً وتجري عليه أحكام الإسلام.
(لا بالحقيقة) فلا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا أدى الفرائض وانتهى عن المحرمات، وإذا كان موحداً لله يؤدي الصلوات والواجبات ويترك المحرمات؛ ولكنه يترك بعض الفرائض أو يقصر فيها أو يفعل بعض المحرمات فنقول: هو مؤمن ناقص الإيمان وليس مسلماً حقاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل ما سمعت من الآثار مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل)، وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا) (وينزل يوم عرفة) (وينزل يوم القيامة) (وجهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه)، وقول الله تعالى للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك) وقوله: (إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة)، وقوله: (إن الله خلق آدم على صورته) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وأشباه هذه الأحاديث؛ فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا، لا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه أو رده فهو جهمي].
يقول المؤلف رحمه الله: (وكل ما سمعت من الآثار -يعني: من الأحاديث- مما لم يبلغه عقلك فعليك بالتسليم والتصديق) فإذا سمعت شيئاً من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنت لا تعرف معناه فقل آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، وتسلم فتقول: سلمت وصدقت وآمنت، وأما الكيفية فأفوضها إلى الله ولا تفسرها بهواك، فإن الإيمان بها واجب، ومن فسر شيئاً بهواه أو رده فهو جهمي.
وإذا بلغك شيء من الأحاديث وأنت لا تعرف معناه، فعليك أن تسلم بما جاء وتصدق وترضى، وتقول: آمنت وصدقت ورضيت، وأما كيفيتها فأفوضها إلى الله (ولا تفسر شيئاً منها بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب ومن فسر شيئاً منها بهواه أو رده فهو جهمي) ومثل المؤلف رحمه الله لهذه الأحاديث بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه، فقل: آمنت بالله وتثبت الأصابع لله بنص الحديث السابق على الوجه اللائق به والله أعلم بالكيفية.
وقوله: (بين أصبعين) فلا يلزم من البينية المماسة فالسحاب قال الله عز وجل فيه: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [البقرة:١٦٤]، إذاً السحاب بين السماء والأرض، والسحاب ليس ملاصقاً للسماء وليس ملاصقاً للأرض، ولا يلزم منها المماسة.
وقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) فنؤمن من خلال هذا الحديث بأن الله ينزل، ولكن الله أعلم بكيفية النزول كما قال الإمام مالك لما سئل في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
فنعتقد أن الله ينزل ولا نعلم كيف ينزل، فهو ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته ليس مثل نزول المخلوق، ومن اعتقد أن الله يكون بين طبقتين، وأن السماء تكون فوقه والأرض تحته فقد شبه الله بخلقه، والله تعالى لا يكون فوقه أحد من خلقه فهو فوق المخلوقات سبحانه وتعالى، وسقف المخلوقات ونهايتها عرش الرحمن والله تعالى فوق العرش.
وكذلك قوله: (ينزل يوم عرفة إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الموقف ملائكته، يقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً، من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم) وينزل يوم القيامة كذلك.
وفي حديث جهنم قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال يطرح فيها) وجاء في لفظ الحديث: (لا يزال يلقى فيها)، والمؤلف روى الحديث بالمعنى ولفظ الحديث: (لا تزال جهنم يلقى فيها من أهلها، وتقول: هل من مزيد هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة قدمه- وفي لفظ: رجله- فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: حسبي، حسبي) أي: يكفيني يكفيني، وهذا فيه إثبات القدم لله كما يليق بجلاله وعظمته، وإثبات الرجل لله عز وجل.
وقول الله تعالى للعبد: (إن مشيت إلي هرولت إليك) وهذا الحديث رواه المؤلف بالمعنى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله لا يمل حتى تملوا، ومن أتى إلي يمشي أتيته هرولة)، وهذا كما يليق بجلال الله وعظمته، ومن آثار هذه الصفة أن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم على صورته، طوله في السماء ستون ذراعاً) أي: طول آدم، وهذا فيه إثبات الصورة لله عز وجل، فقوله: (خلق الله آدم على صورته) الضمير يعود إلى الله، لما جاء في الحديث الآخر: (خلق الله آدم على صورة الرحمن).
وقال بعض الجهمية: إن الضمير يعود إلى آدم، ولهذا لما سأل عبد الله بن الإمام أحمد قال: قلت لأبي: خلق الله آدم على صورة آدم، قال: هذا قول الجهمية.
وقيل: إن الضمير يعود إلى المضروب وهو الوجه فقد جاء في الحديث: قال: (لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته) وهذه أقوال باطلة، والصواب أن الضمير يعود إلى الله، وهذا فيه إثبات الصورة لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وهذا ثابت، وقد جاء هذا الحديث في رؤيا النوم، ورؤيا الأنبياء وحي، قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، في أي شيء يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب! فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت، فقلت: يختصم في نقل الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) إلى آخر الحديث.
يقول المؤلف: (وأشباه هذه الأحاديث عليك بالتسليم والتصديق والتفويض) والمقصود بالتفويض أن تفوض علم الكيفية ولا تفسر شيئاً منها بهواك، أما المعنى فهو معروف ولا نفوضه، ومن فسر شيئاً من الكيفية أو رده فهو جهمي.