قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يحل قتال السلطان، والخروج عليهم وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر الغفاري:(اصبر وإن كان عبداً حبشيا) وقوله للأنصار: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين].
لا يحل قتال السلطان، والخروج عليهم وإن جاروا؛ لأن الأحاديث أمرت بالصبر على ولاة أمور الجور، فلا يحل قتالهم فمن قاتلهم فإنه من الخوارج، أو من البغاة، أو من الرافضة، أو من المعتزلة.
قوله: وذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (اصبر وإن كان عبداً حبشيا)، والمؤلف رواه بالمعنى ولفظ الحديث:(أمرني خليلي أن أصبر وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف)، يعني: أن ولي الأمر إذا غلب الناس بسيفه فيجب الصبر عليه وعدم الخروج عليه ولو لم يكن من قريش، لكن لو كان الاختيار للمسلمين فيجب أن يختاروا من قريش.
يقول أبو ذر:(أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) وفي لفظ: (ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة)، وكذا قوله للأنصار:(إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) يعني: سترون من ولاة الأمور من لا يعطيكم حقكم ويؤثر غيركم عليكم فاصبروا يعني: لا تخرجون على ولاة الأمور ولو لم يعطوكم حقكم، فدل على أنه لا يجوز الخروج على السلطان بالمعاصي.
قوله:(إنكم ستلقون بعدي أثره) يعني: من يؤثر غيركم عليكم، ولا يعطيكم حقكم، (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، والشاهد قوله:(اصبروا) دل على عدم جواز الخروج.
وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين والدنيا؛ لأن قتاله والخروج عليه فيه إراقة الدماء وفيه اختلال الأمن، وحصول المفاسد الكثيرة؛ ولهذا قال المؤلف:(وليس من السنة قتال السلطان فإنه فيه فساد الدين والدنيا) فساد الدين بأن تختل أحوال الناس الدينية فلا تقام الحدود، ولا ينصف للمظلوم من الظالم، فولاة الأمور قد رتب الله عليهم إقامة مصالح عظيمة منها: أن الله تعالى يقيم بهم الأمن، ومنها: أن المظلوم يأخذ حقه من الظالم، ومنها: إقامة الدين للناس مثل: صلاة الجمعة، والعيدين، والجهاد، والحج، وقد يحصل منه ظلم لكن هذا الظلم قليل بالنسبة للمصالح التي علقها الله بولاة الأمور.
فلو قيل للناس في ليلة واحدة: كل يفعل ما يشاء، يحصل من الفساد ما الله به عليم؛ ولهذا يقول بعض السلف: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، فالليلة الواحدة التي تكون بلا إمام يحصل فيها فساد كثير من القتل والزنا والسرقة ونهب الأموال إلى غير ذلك؛ لأن ولاة الأمور علق الله بهم المصالح عظيمة ولو كانوا فسقه ولو كانوا جبابرة، فاستتباب الأمن مصلحة عظيمة، وإقامة الحدود مصلحة عظيمة، وإنصاف المظلوم من الظالم مصلحة عظيمة، وإيصال الحقوق إلى أصحابها مصلحة عظيمة، لا تقوم هذه المصالح إلا في حالة وجود الإمام.
أما فسقه ففسقه على نفسه، والناس ليس بيدهم إلا النصيحة المبذولة من قبل أهل الحل والعقد، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فليس على الناس من ظلمه، وإنما سلط على الناس الظلمة بسبب تفريطهم في أمر الله فعوقبوا، فإذا أراد الناس أن يصلح الله لهم ولاة الأمور فليستقيموا على طاعة الله؛ ولهذا قال سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:٣٠]، فجور الولاة مما كسبت أيدي الرعية وما يحصل من الجور به تكفر السيئات، فالجور من جنس المصائب التي تكفر بها السيئات، وفيه تأديب للرجال الصالحين، وعقوبة للعصاة.