قال المؤلف رحمه الله تعالى:[واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية: أنهم فكروا في الرب عز وجل، فأدخلوا: لم؟ وكيف؟ وتركوا الأثر، ووضعوا القياس، وقاسوا الدين على رأيهم، فجاءوا بالكفر عِياناً، لا يخفى أنه كفر، وكفروا الخلق، واضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل].
(واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية أنهم فكروا بالرب) أي: فكروا في ذاته وأسمائه وصفاته، ثم قاسوا الخالق على المخلوق.
(فأدخلوا: لم؟ وكيف؟) أي قالوا: لم؟ واستفهموا في الأفعال: لم فعل كذا, واستفهموا في الصفات، حيث قالوا: كيف استوى؟ وكيف نزل؟ وهذا من جهلهم وضلالهم، وهذه أسئلة فاسدة، ولا يوجه هذا السؤال لأفعاله جل في علاه، فلا يقال: لم جعل هذا غنياً؟ لم جعل هذا فقيراً؟ لم جعل هذا طويلاً؟ لم جعل هذا قصيراً؟ لأن الله حكيم وله الحكمة البالغة.
فهلك الجهمية بذلك، أما الصحابة والتابعون ومن بعدهم فهم في عافية من هذا, فلم يأتوا بمثل هذه الأسئلة.
(وتركوا الأثر) يعني: النصوص، (ووضعوا القياس) أي: قاسوا الخالق على المخلوق، وقاسوا أمور الآخرة على أمور الدنيا, وقاسوا الدين على آرائهم وشهواتهم.
(فجاءوا بالكفر عياناً) العيان: المعاينة، فارتكبوا كفراً واضحاً بيناً، يعاينه كل أحد ولا يخفى على أحد أنه كفر.
(وكفروا الخلق) أي: الجهمية، فقد كفروا من لم يوافقهم.
(واضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل) أي: وصل بهم الحال حتى عطلوا الرب من أسمائه وصفاته، وقالوا: ليس له علم ولا سمع ولا بصر ولا إرادة ولا قدرة، وليس فوق العالم ولا تحت العالم، ولا مبايناً للعالم ولا محايداً للعالم، ولا متصلاً بالعالم ولا منفصلاً عن العالم، وهذا تعطيل كامل، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله:(فاضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل).