للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كفر من زعم رؤية الله في الدنيا]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل].

وهذا ما يقوله بعض الصوفية، فبعضهم يزعمون أنهم يرون ربهم، وقالوا: إن كل شيء أخضر قد يكون الله منه، وقال بعض المشبهة -قاتلهم الله- وأكثرهم من غلاة الشيعة: إن الله يرى في الدنيا، وإنه ينزل عشية عرفة على جمل، وإنه يعانق، ويصافح ويسامر، وهذا كله كفر وضلال.

ويقولون كذلك: إن الله على صورة الإنسان، وقال بعضهم: يبكي ويحزن ويندم، كما قالت اليهود قبحهم الله وهذا قول المشبهة من غلاة الشيعة كالبيانية الذين ينتسبون إلى بيان بن سمعان التميمي، والسالمية الذين ينتسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي، وداود الجواربي وهؤلاء كفرة، فالله تعالى فوق العرش: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧]، وفي الحديث: (إن الله يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء على أصبع، والجبال على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن بيده فيقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) وهؤلاء الملاحدة يقولون: إنه ينزل عشية عرفة على جمل ويحاضر ويسامر ويصافح قبحهم الله.

ولهذا قال المؤلف: (ومن زعم أنه يرى ربه في الدنيا فهو كافر) واتفق العلماء على أنه لا يراه أحد في الدنيا، ولا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا سواء كان من الملائكة أو من غيرهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فلا يحتمل أحد رؤيته، فقد احتجب الله عن خلقه بحجب، وقد جاء في بعض الآثار: أنها حجب من نار وظلمات وثلوج، والله أعلم بها.

ولما طلب موسى أن يرى ربه في الدنيا قال الله: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:١٤٣] وهو صخر أصم ولكنه تدكدك ولم يصمد لرؤية الله، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:١٤٣] أي: غشي عليه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:١٤٣] فلا يراك أحد في الدنيا إلا مات، لكن في يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين نشأة قوية يتحملون فيها رؤية الله؛ ولأنها رؤية نعيم خاص بأهل الجنة.

واتفق العلماء على أن الله لا يراه أحد في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لربه، واختلفوا هل رآه ليلة المعراج في السماء، على قولين: قيل: إنه رأى ربه، وقيل: إنه لم يره، والصواب أنه لم يره، وقال بعضهم: إنه رآه بعين قلبه، والصواب أنه لم ير ربه في الدنيا؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:٥١]، فكلمه الله من وراء حجاب، وفرض عليه الصلاة لكنه لم ير ربه، وهذا هو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>