[الإيمان بالمسيح الدجال وفتنه العظيمة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالمسيح الدجال].
أي: يجب الإيمان بـ المسيح الدجال، وهو رجل من بني آدم، وجاء في حديث الجساسة، وهو حديث تميم الداري الذي رواه الإمام مسلم: أنهم ركبوا في سفينة، فلعب بهم الموج شهراً، وأنهم أرسوا إلى جزيرة في البحر، فجاءت جساسة وهي الدابة العظيمة التي لا يعرف قبلها من دبرها فقالت: ائتوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فهو إلى أخباركم بالأشواق، فأتوا إليه، فرأوا رجلاً عظيم الخلقة، قد جمعت يداه وغلتا في عنقه، فدخلوا عليه، فجعل يسألهم عن أشياء، حتى سألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسألهم عن بحيرة طبرية وعن النخل، وغير ذلك، ثم قالوا له: من أنت؟ قال: قدرتم على خبري، فلما انتهى أخبرهم بأنه المسيح الدجال، وهو حديث صحيح، ثابت في صحيح مسلم؟ والمسيح يخرج في آخر الزمان، وهو أعور عينه اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة.
والمسيح هذا لقب للدجال ولقب لعيسى بن مريم، لكن عيسى مسيح الهدى، والدجال مسيح الضلال، ومسيح الهدى يقتل مسيح الضلال في آخر الزمان.
والمسيح الدجال أعور العين اليمنى -كما قلنا- كأن عينه عنبة طافية، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل واحد، وهو سيخرج في آخر الزمان، وإذا خرج فإنه يدعي أولاً الصلاح، ثم ينتقل فيدعي النبوة، ثم ينتقل فيدعي الربوبية، ويقول للناس: أنا ربكم.
وجاء في صحيح مسلم أنه يمكث في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول طوله سنة، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثمائه وخمسة وستين يوماً، ثم اليوم الثاني طوله شهر، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثين يوماً، ثم اليوم الثالث طوله أسبوع، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد سبعة أيام، ثم بقية الأيام السبعة والثلاثين طولها كسائر الأيام، أي: مثل أيامنا هذه.
ولا يترك بلداً إلا دخلها إلا مكة والمدينة، فإن عليهما الملائكة تحرسهما، لكنه يأتي إلى السبخة التي قرب المدينة وينعق فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وكل خبيث وخبيثة، ولا يبقى في المدينة إلا الصالحون، وحينئذ تنفي المدينة خبثها.
والمسيح الدجال له ميزة عظيمة، وفتنته فتنة كبيرة، فإن معه صورة الجنة ومعه صورة النار، ابتلاء وامتحاناً، ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويقطع رجلاً بالسيف ويمشي بين قطعتيه، ثم يقول له قم، فيستوي قائماً.
وخروج المسيح الدجال هو العلامة الثانية من علامات الساعة الكبرى، والعلامة الأولى هي خروج المهدي، وهو رجل باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وكنيته ككنيته، محمد بن عبد الله المهدي، يبايع له بين الركن والمقام في وقت ليس للناس فيه إمام، والفتنة تحصر الناس إلى جهة الشام، وفي زمانه يخرج الدجال، ثم ينزل عيسى بن مريم بعد ذلك فيقتل المسيح الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج فهذه العلامات متوالية.
ولا بد من الإيمان بـ المسيح الدجال وفتنته العظيمة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة، أمر أعظم أو أشد من الدجال)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولهذا أمرنا في كل صلاة أن نستعيذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، والأحاديث ثابتة في هذا، فلا بد من الإيمان بالمسيح الدجال.