[وصية المؤلف بالأخذ بما في هذا الكتاب وتبليغه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فاتق الله رحمك الله وانظر لنفسك، وإياك والغلو في الدين، فإنه ليس من طريق الحق في شيء.
وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع.
فاتق الله يا عبد الله! وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة، فعسى الله أن يرد به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته؛ فينجو به.
فاتق الله، وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به، فإنه دين الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب؛ فإنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر، كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها، إلا بصدق النية وإخلاص اليقين، كذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها، فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة؛ فإنه ليس من دين الله في شيء، وزمانك خاصة زمان سوء فاتق الله].
هذه نصيحة من المؤلف، يقول: (اتق الله رحمك الله)، أي: اجعل بينك وبين غضب الله وسخطه وناره وقاية تقيك، وهذا لا يكون إلا بتوحيد الله وإخلاص العبادة له والعمل بالسنة وترك البدعة، وطريق التقوى أن تعبد الله مخلصاً له الدين، وأن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله، وحينئذ تكون قد اتقيت الله.
(وانظر لنفسك) أي: انظر لنفسك الشيء الذي يخلصك من عذاب الله وسخطه، وهو لزوم الكتاب والسنة، والبعد عن البدع.
(وإياك والغلو في الدين)، لا تغل بأن تتجاوز الحد في الأقوال والأفعال، قال الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء:١٧١].
(فإنه ليس من طريق الحق في شيء)، أي: أن الغلو ليس من طريق الحق.
(وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله، وعن رسول الله، وعن أصحابه، وعن التابعين، وعن القرن الثالث، وعن القرن الرابع)، وهذا الكلام فيه مبالغة من المؤلف رحمه الله؛ لأن هناك بعض المسائل ضعيفة كما مر معنا، وليس لها دليل في الكتاب، أو ليس لها دليل في السنة، فالمراد أغلب ما وصفت لك، فأغلب ما في هذا الكتاب له دليل من الكتاب، أو من السنة، أو من الصحابة، أو من التابعين.
(فاتق الله يا عبد الله!) فكرر الأمر بالتقوى لأهميتها، والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١]، وكلامه عام، فكل مؤمن هو عبد الله.
(وعليك بالتصديق والتسليم وعدم الاعتراض) أي: التصديق لكلام الله وكلام رسوله، والتسليم لأمر الله وأمر رسوله.
(والتفويض)، أن يفوض الإنسان علم ما لا يعلم إلى الله، كتفويض كيفية الصفات وكيفية أمور الآخرة إلى الله.
(والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة فعسى يرد الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته فينجو)، المؤلف يأمر ببث هذا الكتاب.
(فاتق الله وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب)، وهذا أيضاً مبالغة من المؤلف؛ لأن هذا الكتاب فيه بعض الأمور التي ليس لها دليل، والمراد أغلب ما في هذا الكتاب.
ثم قال: (فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب، وبثه) أي: نشره.
(وعمل به ودعا إليه واحتج به فإنه دين الله ودين رسوله)، وهذا غلط من المؤلف، فهذا الكتاب ليس دين الله ودين رسوله، فدين الله ورسوله ما جاء في القرآن العزيز، وسنة رسوله، أما هذا فكلام المؤلف رحمه الله، وفهمه من نصوص الكتاب والسنة، وهو من وضع البشر، والبشر يخطئون ويصيبون.
ثم قال المؤلف: (فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين لله بدين)، وهذا فيه مبالغة من المؤلف، فقد مرت معنا أشياء ضعيفة تخالف الصواب، وليس معنى ذلك أن الإنسان لو خالف في مسألة أو مسألتين أو بعض المسائل أنه يخرج من الدين، ولا يدين لله بدين، فلا يكون ذلك إلا إذا أشرك وفعل ناقضاً من نواقض الإسلام.
ومن الخطأ أن يجزم المؤلف فيقول: (من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين لله بدين)، فقد ذكر في الكتاب مثلاً مسألة تحريم زواج امرأة بغير ولي، والحنفية يرون جواز ذلك، فلا يعني هذا كفرهم.
(وقد رده كله) فمن استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب ألزمه المؤلف بأنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، وهذا ليس بصحيح، بل قد يخالف الإنسان شيئاً من هذا الكتاب مما ليس عليه دليل، أو مستنداً إلى حديث ضعيف، فيخالفه، ولا يلزمه أنه رده كله، فإذا رد الأشياء الضعيفة لا يلزم من هذا أنه رده كله.
ثم شبه ذلك فقال: (كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى، إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر) وهذا صحيح، فمن آمن بجميع ما قال الله ثم شك في حرف متعمداً وليس له شبهة، أو شك في حرف من كلام الله فقد رد القرآن كاملاً.
قال (كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها إلا بالنية، وإخلاص اليقين)، لا بد أن يقولها الإنسان عن صدق وإخلاص، كما جاء في الحديث: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي لفظ: (مخلصاً)، وفي لفظ: (غير شاك، دخل الجنة).
(كذلك لا يقبل الله شيئاً في ترك بعض)، وهذا ليس بصحيح، بل إذا ترك بعض المسائل الفرعية لا يلزم من ذلك أن يكون قد ترك الدين.
(ومن ترك شيئاً من السنة فقد ترك السنة كلها)، هذا أيضاً ليس بصحيح، بل قد يترك الإنسان بعض السنة، فيترك من السنة مثلاً إعفاء اللحية، فلا يلزم أنه إذا حلق اللحية قد ترك الدين كله، وترك السنة كلها، بل إنه عاصٍ.
(فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة)، أي: اترك اللجاجة والخصومة والجدال، (فإنه ليس من دين الله في شيء)، يعني: الجدال والخصومة، (وزمانك خاصة زمان سوء)، وهذا في زمان المؤلف، في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟! (فاتق الله)، أي: بالاستقامة على دين الله، وإخلاص العبادة لله، وحتى تسلم من غضب الله.