[صغير البدع يقود صاحبها إلى كبيرها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت وصارت ديناً يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام].
أي أن المؤلف يقول: إن عليك أن تجتنب البدع حتى ولو كانت صغيرة، ولو كانت بدعة قولية، مثل ما يقوله بعض الناس: كأن ينطق بالنية حينما يصلي، فإذا صليت بجواره فإنه يقول: نويت أن أصلي فرض الظهر أربع ركعات خلف هذا الإمام، وإذا أراد أن يصوم، قال: نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإذا أراد أن يطوف بالبيت قال: نويت أن أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف العمرة أو طواف الوداع، أو نويت أن أسعى بين الصفا والمروة مع الحج، وهذه بدعة ليس لهم عليها دليل، ولهذا قال بعض السلف: لو عمرت عمر نوح ثم فتشت في الكتاب والسنة لم تجد دليلاً يدل على شرعية النطق بالنية، فهذه بدعة صغيرة يتساهل بها بعض الناس، لكن قد تجره إلى البدع الكبار.
وكذلك أيضاً بعض الناس إذا توضأ فإنه يأتي بأذكار لا أصل لها، فإذا غسل وجهه قال: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده اليمنى قال: اللهم أعطني كتابي بيميني وهذه بدعة لا أصل لها، فالمؤلف رحمه الله يقول: (احذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً)، فالصغير يجر إلى الكبير.
ثم قال المؤلف: (وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها)، يقول: كل بدعة حينما تحدث تكون صغيرة تشبه الحق من وجه فيغتر بها بعض الناس فيدخلون فيها فإذا دخل ما استطاع الخروج منها، وهكذا ينتقل من بدعة إلى بدعة حتى يصل إلى الكفر نعوذ بالله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فعظمت وصارت ديناً يدان بها)؛ بسبب الإلف والاعتياد، فهو يبتدع أولاً بدعة صغيرة ويغتر بها، ثم لا يستطيع الخروج منها، ثم تعظم وتصير ديناً اعتاده الناس فخالف الصراط المستقيم وخرج بذلك من الإسلام.
فمثلاً بعض الناس في بعض المجتمعات اعتادوا أن المرأة لا تحتجب عن أقاربها من بني عمها وجيرانها، فالمرأة تسلم على ابن عمها وتكشف له وجهها وتسافر معه وقد تأكل معه، وابن خالها وجارها، لكن إذا خرجت للشارع تتحجب، وزوج الأخت لا تحتجب عنه، فبعض الناس إذا نهيته قلت: يا فلان! لا يجوز لك أن تترك امرأتك تسلم على جارك أو تسلم على أخيك وتكشف له وجهها، فيقول: لا نستطيع تركه فقد نشأنا عليه، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (إن البدعة تعظم وتصير ديناً يدان بها) لا يستطيع الفكاك عنها، لكن لو جاهد نفسه وكان شجاعاً قوياً في الحق لنصح أهله وجاره وابنه وبني عمه وبني خاله ويقول: هذا لا يجوز وهو محرم ولا يجوز للمرأة أن تكشف لهم وجهها، لكن هذا التساهل الذي نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير جعل هذه البدعة أو هذه المعصية لا يستطيع الإنسان الفكاك عنها، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله: (وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصارت ديناً يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام)، يعني: أن هذه البدعة وإن كانت صغيرة فقد خالف صاحبها بها الصراط المستقيم، والصراط المستقيم هو العمل بالسنة وترك البدعة.
وقد تجر هذه البدعة الصغيرة إلى ما هو أكبر منها، وصدق الشاعر حين قال: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر فحينما يأتي الرجل الأجنبي إلى امرأة فيقول: السلام عليكم، تقول: عليك السلام، وما عندهم أحد، ثم يكلمها، فهذا كلام، ثم لقاء، حتى يصل إلى فعل الفاحشة حتى يصل إلى الزنا، وأول شيء كان كلاماً، نظرة فسلام فكلام ثم لقاء، نظرة أولاً نظر إليها، ثم سلم عليها، ثم صار بينهما الكلام ثم لقاء، وهكذا يتدرج الإنسان من المعصية إلى المعصية، فكذلك البدعة ينتقل من بدعة إلى بدعة إلى بدعة حتى يصل إلى الكفر، فيخرج بذلك عن الإسلام كله، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فانظر رحمك الله! كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا يدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم به أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء فإن أصبت فيه أثراً عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار].
قول المؤلف رحمه الله: (فانظر رحمك الله) بمعنى تأمل، وليس المراد النظر بالعينين، وإنما المراد النظر بالقلب، كقوله تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم:٥٠].
(رحمك الله)، هذا من نصح المؤلف رحمه الله أن يسأل لك الرحمة، يعني: اللهم ارحمه.
ومعنى كلامه: إذا رأيت أهل زمانك يتكلمون في شيء أو يعملون شيئاً فتأمل ولا تستعجل ولا تدخل في شيء من هذه الأمور، ولا تتكلم في هذا الشيء الذي تكلموه ولا تعمل هذا العمل الذي عملوه إلا بعد أن تتأمل، وتسأل وتنظر، وإذا كنت طالب علم فابحث في كتب العلم ومع أهل العلم، فانظر هذا الأمر الذي يعمله الناس مثل رفع اليدين في الدعاء أو الزيارة والصلاة في المقبرة، فإذا رأيت بعض الناس يصلي عند المقبرة وأنت لا تدري ما الحكم، فانظر وتأمل ولا تستعجل فتصلي عند القبر تقليداً لمن يفعل ذلك، حتى تنظر وتتأمل هل تكلم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء، فإن وجدت فيه أثراً فتمسك به، وإن وجدت أن هذا العمل مشروع فاعمل به، وإذا وجدتهم ينهون عنه ويحذرون منه فاتركه.
(ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار) يعني: أن المعاصي توصل إلى النار، فعلى الإنسان ألا يعمل شيئاً ولا يقل شيئاً إلا بدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور بقوله: (لا تجلسوا إلى القبور ولا تصلوا إليها)، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة، فالصلاة في المقبرة من وسائل الشرك وهذا حرام.
إذاً: لا تفعل شيئاً تقليداً لمن فعله، فكل عمل لابد أن تنظر فيه وتتأمل وتعمل بالسنة ولا تجاوزه إلى غيرها فتسقط في النار، والمعنى: أن البدع والمعاصي توصل إلى النار وهي بريد الكفر.