[الدين الصحيح ما كان من وفاة الرسول إلى قتل عثمان]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الدين العتيق ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه الله, وكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة وتفرقت واتبعت الطمع والأهواء، والميل إلى الدنيا, فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه، فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة، وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس].
قوله: (واعلم أن الدين العتيق) , يعني: الثابت, وأصل معنى العتيق: القديم، الذي لم يحصل فيه بدع ولا اختلاف.
(ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه)؛ لأن الصحابة اجتمعوا على هذا الدين ولم تدخل الفتن والاختلافات، ولم يتمكن أهل البدع من التسلل إليهم وإحداث الفرقة بينهم منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان، ثم لما قتل عثمان فتح باب الفتن حتى إن الثوار أحاطوا ببيت أمير المؤمنين عثمان وقتلوه، بعد أن أشاع عبد الله بن سبأ أن أهل البيت مظلومين، وبعد أن أشاعوا عيوباً لـ عثمان رضي الله عنه, فتجمع عدد من السفهاء في الشام وفي مصر وفي الكوفة، ثم جاءوا وأحاطوا ببيت أمير المؤمنين وقتلوه رضي الله عنه، فحصلت الفتن، وخرجت الخوارج، ووجدت الشيعة، فكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة، وبعد ذلك بايع أكثر أهل الحل والعقد أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وامتنع أهل الشام مع معاوية عن البيعة وحصل الخلاف والفرقة, ثم ظهرت الخوارج.
(وتحاربت الأمة وتفرقت، واتبعت الطمع والأهواء، والميل إلى الدنيا)، والمراد غير الصحابة, فقد اتبع الناس الطمع والأهواء والميل إلى الدنيا ممن دخلوا في الإسلام حديثاً، ومن الشباب الذين نشئوا، أما الصحابة فلهم فضلهم ولهم سابقتهم وجهادهم واجتهادهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
(فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يرخص للإنسان في البدع التي أحدثوها في شيء لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع) كذلك أن يدعو الإنسان إلى بدعة أحدثها سابق له.
(فإذا دعا إلى البدعة التي أحدثها غيره فهو كمن أحدثها)؛ لأن الراضي كالفاعل، ولأن الداعي إلى الشيء راضٍ به, فمن أحدث بدعة فهو مبتدع، ومن دعا إلى بدعة سابقة فهو كمن أحدثها.
(فمن زعم ذلك أو قال به) يعني: من دعا إلى البدع التي أحدثها غيره (فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة) , والجماعة هي ما كان عليه رسول الله وأصحابه، (وأباح البدع) حيث إنه دعا إليها أو أحدثها.
(وهو أضر على هذه الأمة من إبليس) وهذا الكلام فيه نظر، فكون الذي يدعو إلى البدعة أخطر على الأمة من إبليس فيه نظر؛ لأن البدعة لا تكفر صاحبها فلا يكون أضر من إبليس؛ لأن إبليس يدعو إلى الكفر، فكل كفر وكل زندقة وكل إلحاد وكل شر وفساد يدعو إليه إبليس، فلا يقال: إن من دعا إلى البدعة أضر على هذه الأمة من إبليس, لأن إبليس يدعو كل أحد، ولأنه يدعو إلى الكفر وإلى الإلحاد، وهو فوق البدعة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة وما فارقوا فيه فتمسك به فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان، وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم].
أي: أن من عرف السنة التي تركها أصحاب البدع، وفارقوا فيها الجماعة، فتمسك بها، فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، فالشخص الذي ينظر إلى السنة التي تركها أصحاب البدع ثم يتمسك بها، وينظر إلى السنة التي فارقها أهل البدع فيتمسك بها، هو صاحب سنة وصاحب جماعة.
(وحقيق أن يتبع وأن يعان) أي: جدير وينبغي أن يتبع، وأن يعان ويحفظ؛ لكونه لزم السنة.
(وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فقد أوصى بلزوم الجماعة، وأوصى باتباع الحق، وأوصى بقبول الحق ممن جاء به.