جور السلطان لا يبطل فرضاً وجوره على نفسه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات، فشاركه فيه فلك نيتك، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
يقول فضيل بن عياض: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان.
أنبأنا أحمد بن كامل، قال: حدثنا الحسين بن محمد الطبري، قال: أنبأنا مردويه الصائغ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان، قيل له: يا أبا علي! فسر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد].
قول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل الذي افترضها على لسان نبيه، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشاركه فيه فلك نيتك).
أي: أن جور السلطان لا يضر الرعية، ولا ينقص من أجورهم، فالفرائض التي افترضها الله والصلاة التي أمروا بها خلف أئمة الجور تامة والأجر تام، والسلطان فجوره على نفسه، ولا يضرك فجوره، لكن أجرك تام إذا صليت الجمعة أو العيدين أو جاهدت معهم أو غزوت معهم، وأما السلطان أو الإمام أو القائد إذا كان فاجراً ففجوره على نفسه ولا يضرك فجوره.
ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق، وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق كالزنا وغيره، فليس كل ما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه، إذ فساد القتال أعظم من فساد كبير يرتكبه ولي الأمر.
الزاني من الرعية يرجم أو يجلد، وإذا سرق تقطع يده، إذا شرب الخمر يجلد، لكن لو وقع فيه السلطان فشرب الخمر مثلاً فلا يوجد أحد يجلده، فما عليك إلا الصبر، فليس كل ما جاز على الرعية يجوز على السلطان، وعليك أن تجاهد معه ولو كان فاسقاً تقاتل معه تحج معه تصلي خلفه الجمعة، ففسوقه على نفسه وفجوره على نفسه ما دام أنه مسلم، ولا تخرج عليه بمجرد المعصية، ولكن النصيحة مبذولة بقدر الاستطاعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فقد أديت ما عليك، ولا تخرج عليه؛ لأن خروجك فساد وشر؛ يسبب إراقة الدماء واختلال الأمن، وضياع الأمة، وما يسبب من تسلط وتدخل الأعداء.
(وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله).
أي: إذا رأيت شخصاً يدعو على السلطان أو على الإمام: اللهم سلط عليه اللهم أهلكه فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيت رجلاً يدعو للسلطان بالصلاح والمعافاة فاعلم أنه صاحب سنة.
(عن فضيل بن عياض أنه قال: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان)، أي: لو كانت لي دعوة مستجابة سأجعلها للسلطان.
وذكر في السند (عن أحمد بن كامل، عن الحسين بن محمد الطبري، قال: أنبأنا مردويه الصائغ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان).
(قيل له: يا أبا علي! فسر لنا هذا؟) وأبو علي كنية الفضيل بن عياض، (قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد).
أي: لو دعوت بها لنفسي لم تتعدني وكان صلاحي مقصوراً على نفسي، لكن إذا دعوتها للسلطان عم الصلاح فصلح السلطان وصلح العباد والبلاد، فصار النفع متعدياً.
(فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح)، كما قال الطحاوي رحمه الله: وندعو لهم -أي: ولاة الأمور- بالصلاح والمعافاة.
(ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا) ثم بين المؤلف السبب وهو: (لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وأما الصلاح فصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين).
إذاً: ندعو لهم بالصلاح ولو جاروا، لأنهم إذا ظلموا وجاروا فوزرهم لا يتعداهم ولا يمس الناس منه شيء، أما إذا صلحوا فإن الصلاح سيكون لهم وللمسلمين.