[من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير].
أي: من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بعذاب القبر، والإيمان بمنكر ونكير.
وكان ينبغي للمؤلف أن يقول: والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، ولكنه لم ينص على النعيم لأنه يقابل العذاب، وإذا ثبت العذاب ثبت النعيم، قال الله تعالى في شأن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦]، ثم قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، فقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر:٤٦]، دل على أن العرض الأول في القبر، وهو قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦]، أي: قبل يوم القيامة؛ لأنه قال بعد ذلك: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].
وقال سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:٩٣]، فهذا عذاب القبر.
وقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:٥٠]، فيضربون وجوههم وأدبارهم أي: عند التوفي، فهذا من عذاب القبر ونعيمه.
ومن السنة نصوص كثيرة، بل إنها قد تبلغ حد التواتر، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيحين وغيرهما- قال: (إذا صلى أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، وقال عليه الصلاة والسلام: (استعيذوا بالله من عذاب القبر).
وثبت في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
وكذلك أيضاً ما جاء في حديث البراء وغيره: (أن المؤمن يوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الريح يؤنسه، فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، والفاجر أو الفاسق يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويأتيه رجل قبيح الوجه، منتن الريح، فلا يزال يروعه ويوحشه، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث) كل هذا يدل على إثبات عذاب القبر ونعيمه، فهو حق.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومنكر ونكير)، يعني: يجب الإيمان بمنكر ونكير، وهما ملكان يسألان الإنسان في القبر، كما جاء في بعض الأحاديث: (إن المؤمن إذا وضع في قبره جاءه ملكان، يقال لأحدهما المنكر، ويقال للآخر النكير، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فأما المؤمن فيثبته الله فيقول: ربي الله، ومن نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ما دينك؟ فيقول: الإسلام.
وأما الكافر فلا يستطيع أن يجيب -ولو كان من أصلح الناس في الدنيا نعوذ بالله- فإذا قال له: من ربك؟ قال: هاه هاه لا أدري، من نبيك؟ هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته).
وجاء في حديث البراء: (أنه يضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين) فلا بد من الإيمان بمنكر ونكير وأنهما الفتانان.