للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب هوى أشد خطراً على مسلم من صاحب معصية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً، صاحب معاصٍ ضالاً وهو على السنة فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته.

وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق؛ فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه.

ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من عند فلان.

قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان.

ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر؟!].

أي: إذا رأيت الرجل من أهل السنة ملتزماً بالسنة لكنه يفعل المعاصي وفاسقاً وفاجراً فاصحبه واجلس معه؛ فإنه ليس يضرك معصيته.

وليس معنى ذلك التهوين من خطر المعاصي، بل المؤلف يريد أن يبين أن البدعة أشد من المعصية، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة فهو خير من أهل البدعة ولو فعل المعاصي، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب فاسقاً فاجراً فاصحبه؛ لأنه صاحب سنة، فالفسق يمكن معالجته، لكن المصيبة في صاحب البدعة الذي يظن أنه على الحق فلا يفكر في التوبة.

وإذا رأيت الرجل زاهداً متعبداً متقشفاً ولكنه صاحب بدعة فلا تجالسه، فبعبادته لا تنفعه، وليس القصد من هذا التهوين من شأن المعاصي، بل يريد أن يقارن بين السني العاصي وبين المبتدع، فيقول: إن السني العاصي خير من المبتدع؛ لأن المعصية أقل من البدعة.

قال: (ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى -أي: صاحب بدعة- فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من بيت فلان) يعني: المبتدع (قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى)، وذلك أن خروجه من هذا البيت معصية، وخروجه من بيت صاحب البدعة قد يوصله إلى البدعة (أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان) أي: بقول واعتقاد أصحاب الأهواء.

وليس مقصود يونس بن عبيد التهوين من شأن المعاصي، فالمعاصي والكبائر شأنها عظيم، لكن قصده أن يبين أن البدعة أشد من المعصية.

ثم قال: (ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر)، فدل على أن البدعة أشد من المعصية، وخروجه من بيت العاصي أهون من خروجه من بيت المبتدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>